سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الخامس والأربعون في وفود دوس إليه صلى الله عليه وسلم

قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة من دوس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مرحبا أحسن الناس وجوها وأطيبهم أفواها وأعظمهم أمانة» رواه الطبراني بسند ضعيف .

قال في زاد المعاد : قال ابن إسحاق : كان الطفيل بن عمرو والدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها . فمشى إليه رجال من قريش ، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا فقالوا له : يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرق جماعتنا وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وابنه ، وبين المرء وأخيه وبين الرجل وزوجه ، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلمه ولا تسمع منه . قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله .

قال : فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة ، فقمت قريبا منه ، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ، فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي واثكل أمياه ، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فإن كان ما يقول حسنا قبلت وإن كان قبيحا تركت .

قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فتبعته حتى إذا دخل بيته ، دخلت عليه فقلت : يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا ، فوالله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولا حسنا فاعرض علي أمرك . فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا علي القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت : يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله لي أن يجعل لي آية تكون عونا لي عليهم فيما أدعوهم إليه . فقال : «اللهم اجعل له آية» .

قال : فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح قلت : اللهم في غير وجهي ، إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي [ ص: 337 ] لفراقي دينهم . قال : فتحول فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلق ، وأنا أنهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم وأصبحت فيهم .

فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا كبيرا . فقلت : إليك عني يا أبت فلست منك ولست مني . قال : ولم يا بني ، بأبي أنت وأمي . قلت : فرق الإسلام بيني وبينك فقد أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم . قال : يا بني فديني دينك . قال : فقلت : اذهب فاغتسل وطهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت . قال : فذهب فاغتسل وطهر ثيابه . ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم .

ثم أتتني صاحبتي فقلت لها : إليك عني فلست منك ولست مني . قالت : لم بأبي أنت وأمي ؟ قلت : فرق الإسلام بيني وبينك أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم . قالت : فديني دينك فقلت : اذهبي فاغتسلي ففعلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت .

ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطأوا علي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقلت : يا نبي الله إنه قد غلبني على دوس الزنا فادع الله عليهم . فقال : «اللهم اهد دوسا » ثم قال : «ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله وارفق بهم» .

فرجعت إليهم فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الله . ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس . ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فأسهم لنا مع المسلمين .

قال ابن إسحاق : فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب خرج الطفيل مع المسلمين حتى فرغوا من طليحة ، ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ، ومعه ابنه عمرو بن الطفيل ، فقال لأصحابه : إني قد رأيت رؤيا فاعبروها لي : رأيت أن رأسي قد حلق وأنه قد خرج من فمي طائر ، وأن امرأة لقيتني فأدخلتني في فرجها ، ورأيت أن ابني يطلبني طلبا حثيثا ، ثم رأيته حبس عني .

قالوا : خيرا رأيت . قال : أما والله إني قد أولتها . قالوا : وما أولتها ؟ قال : أما حلق رأسي فوضعه ، وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي ، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض ، تحفر فأغيب فيها ، وأما طلب ابني إياي وحبسه عني فإني أراه سيجهد لأن يصيبه من الشهادة ما أصابني . فقتل الطفيل شهيدا باليمامة ، وجرح ابنه جرحا شديدا ثم قتل عام اليرموك شهيدا في زمن عمر رضي الله تعالى عنهم
. [ ص: 338 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية