سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الرابع والخمسون في وفود بني سليم إليه صلى الله عليه وسلم

قالوا : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني سليم يقال له : قيس بن نسيبة فسمع كلامه وسأله عن أشياء فأجابه ووعى ذلك كله ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلم ورجع إلى قومه بني سليم فقال : قد سمعت برجمة الروم وهينمة فارس وأشعار العرب وكهانة الكاهن وكلام مقاول حمير فما يشبه كلام محمد شيئا من كلامهم فأطيعوني وخذوا نصيبكم منه .

فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقوه بقديد وهم سبعمائة .

ويقال كانوا ألفا وفيهم العباس بن مرداس ، وأنس بن عباس بن رعل ، وراشد بن عبد ربه فأسلموا وقالوا : اجعلنا في مقدمتك واجعل لواءنا أحمر وشعارنا مقدما . ففعل ذلك بهم فشهدوا معه الفتحوالطائف وحنينا وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم راشد بن عبد ربه رهاطا وفيها عين يقال لها عين الرسول . وكان راشد يسدن لبني سليم فرأى يوما ثعلبين يبولان عليه فقال :


أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب

ثم شد عليه فكسره .

ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : «ما اسمك ؟ » قال : غاوي بن عبد العزى قال : «أنت راشد بن عبد ربه » . فأسلم وحسن إسلامه وشهد الفتح مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير قرى عربية خيبر وخير بني سليم راشد »
. وعقد له على قومه .

وروى ابن سعد عن رجل من بني سليم من بني الشريد قالوا : وفد رجل منا يقال له قدد بن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلم وعاهده على أن يأتيه بألف من قومه على الخيل .

ثم أتى قومه فأخبرهم الخبر فخرج معه تسعمائة وخلف في الحي مائة فأقبل بهم يريد النبي صلى الله عليه وسلم فنزل به الموت فأوصى إلى ثلاثة رهط من قومه : إلى عباس بن مرداس وأمره على ثلاثمائة ، وإلى جبار بن الحكم وهو الفرار الشريدي وأمره على ثلاثمائة ، وإلى الأخنس بن يزيد وأمره على ثلاثمائة وقال : ائتوا هذا الرجل حتى تقضوا العهد الذي في عنقي ، ثم مات . فمضوا حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «أين الرجل الحسن الوجه الطويل اللسان الصادق الإيمان ؟ » قالوا : يا رسول الله دعاه الله فأجابه وأخبروه خبره فقال : «أين تكملة الألف الذين عاهدني [ ص: 347 ] عليهم ؟ » قالوا : قد خلف مائة بالحي مخافة حرب كانت بيننا وبين كنانة قال : «ابعثوا إليها فإنه لا يأتيكم في عامكم هذا شيء تكرهونه» . فبعثوا إليها فأتته بالهدة وهي مائة عليها المنقع بن مالك بن أمية ، فلما سمعوا وئيد الخيل قالوا : يا رسول الله أتينا قال : «لا بل لكم لا عليكم هذه سليم بن منصور قد جاءت» . فشهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح وحنينا
.

تنبيه : في بيان غريب ما سبق :

سليم : [بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون المثناة التحتية فميم] .

نسيبة : [بضم النون وفتح السين المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الموحدة فتاء تأنيث] .

ترجمة : بمثناة فوقية مفتوحة فراء ساكنة فجيم فميم : نقل لغة إلى لغة أخرى .

هينمة : بهاء مفتوحة ساكنة فنون فميم فتاء تأنيث : كلام خفي لا يفهم والياء زائدة .

رهاط : [بضم أوله قرية على ثلاثة أميال من مكة ] . [ ص: 348 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية