سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السبعون في وفود عمرو بن معدي كرب الزبيدي إليه صلى الله عليه وسلم

قدم عمرو بن معدي كرب في أناس من بني زبيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي- وقيس ابن أخته- يا قيس إنك سيد قومك ، وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول إنه نبي فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه ، فإن كان نبيا كما يقول فإنه لن يخفى عنك ، إذا لقيناه اتبعناه ، وإن كان غير ذلك علمنا علمه . فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه ، فركب عمرو بن معدي كرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وصدقه وآمن به فلما بلغ ذلك قيسا أوعد عمرا [وتحطم عليه وقال خالفني وترك رأيي] فقال عمرو في ذلك شعرا أوله :


أمرتك يوم ذي صنعا ء أمرا باديا رشده

قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى : فأقام عمرو بن معدي كرب في قومه من بني زبيد وعليهم فروة بن مسيك ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو . قال ابن سعد : ثم رجع إلى الإسلام وأبلى يوم القادسية وغيرها
.

وذكر أبو عمرو من طريق ابن عبد الحكم قال : حدثنا الشافعي قال : وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، وخالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن وقال : «إذا اجتمعتما فعلي الأمير ، وإذا افترقتما فكل واحد منكما أمير» . فاجتمعا . وبلغ عمرو بن معدي كرب مكانهما ، فأقبل في جماعة من قومه فلما دنا منهما قال : «دعوني حتى آتي هؤلاء القوم فإني لم أسم لأحد قط إلا هابني . فلما دنا منهما نادى : أنا أبو ثور أنا عمرو بن معدي كرب .

فابتدره علي وخالد رضي الله تعالى عنهما ، وكلاهما يقول لصاحبه : خلني وإياه ، ويفديه بأبيه وأمه . فقال عمرو ، إذ سمع قولهما : العرب تفزع بي وأراني لهؤلاء جزرة . فانصرف عنهما
. وكان عمرو فارس العرب مشهورا بالشجاعة ، وكان شاعرا محسنا فمما يستجاد من شعره قوله :


أعاذل عدتي يزني ورمحي     وكل مقلص سلس القياد
أعاذل إنما أفنى شبابي     إجابتي الصريخ إلى المنادي
مع الأبطال حتى سل جسمي     وأقرح عاتقي ثقل النجاد
ويبقى بعد حلم القوم حلمي     ويفنى قبل زاد القوم زادي
تمنى أن يلاقيني قييس     وددت وأينما مني ودادي
فمن ذا عاذري من ذي سفاه     يرود بنفسه شر المراد .
[ ص: 387 ] أريد حباءه ويريد قتلي     عذيرك من خليلك من مراد

يريد قيس بن مكشوح وأسلم قيس بعد ذلك ، وله ذكر في الصحابة ، وقيل كان إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان شجاعا فارسا شاعرا وكان يناقض عمرا وهو القائل لعمرو :


فلو لاقيتني لاقيت قرنا     وودعت الحبائب بالسلام
لعلك موعدي ببني زبيد     وما قامعت من تلك اللئام
ومثلك قد قرنت له يديه     إلى اللحيين يمشي في الخطام

تنبيه : في بيان غريب ما سبق :

المكشوح : بفتح الميم وسكون الكاف وضم الشين المعجمة وبالواو والحاء المهملة .

بنو زبيد : بضم الزاي وفتح الموحدة .

لم أسم : بضم الهمزة وفتح السين المهملة وتشديد الميم المفتوحة ، مجزوم حرك بالفتح طلبا للخفة .

جزرة : بفتح الجيم وسكون الزاي وبالراء فتاء تأنيث وهي الشاة المسمنة .

يستجاد : بالبناء للمفعول .

يزني : أي برمح يزني نسبة إلى ذي يزن ، وفي بعض نسخ العيون بدني ، قال في النور : ولعلها الصواب والبدن الدرع .

مقلص : بكسر اللام المشددة وبالصاد المهملة : مشمر طويل القوائم .

قييس : تصغير قيس وهو ابن المكشوح .

الوداد : بكسر الواو .

حباءه : بكسر الحاء المهملة وبالموحدة ، وبالمد : العطاء .

عذيرك من فلان : بعين مهملة مفتوحة فذال معجمة فياء تحتية وفتح الراء : مفعول بفعل مقدر أي هات من يعذرك ، فعيل بمعنى فاعل .

القرن : بكسر القاف وسكون الراء وبالنون كف الشخص في الشجاعة . [ ص: 388 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية