سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثالث والثمانون في وفود كندة إليه صلى الله عليه وسلم منهم الأشعث بن قيس .

قال في زاد المعاد : قال ابن إسحاق : حدثني الزهري قال : قدم الأشعث بن قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين أو ستين راكبا من كندة ، فدخلوا عليه مسجده ، قد رجلوا جممهم واكتحلوا ولبسوا جباب الحبرات مكثفة بالحرير . فلما دخلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أولم تسلموا ؟ » قالوا : بلى . قال : «فما هذا الحرير في أعناقكم ؟ » فشقوه ونزعوه وألقوه . ثم قال الأشعث بن قيس : يا رسول الله ، نحن بنو آكل المرار وأنت ابن آكل المرار . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : «ناسب بهذا النسب ربيعة بن الحارث ، والعباس بن عبد المطلب » .

قال الزهري وابن إسحاق : كانا تاجرين ، وكانا إذا سارا في أرض العرب فسئلا : من أنتما ؟ قالا : نحن بنو آكل المرار ، يتعززان بذلك في العرب ويدفعان به عن نفسيهما لأن بني آكل المرار من كندة كانوا ملوكا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا ، بل نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا»
.

وفي المسند من حديث حماد بن سلمة ، عن عقيل بن طلحة ، عن مسلم بن مسلم عن الأشعث بن قيس قال : قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد كندة ولا يرون إلا أني أفضلهم ، قلت : يا رسول الله ، ألستم منا ؟ قال : «لا ، نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا» .

فكان الأشعث يقول : لا أوتى برجل نفى رجلا من قريش من النضر بن كنانة [ ص: 403 ] إلا جلدته الحد
.

وروى الإمام أحمد ، وابن ماجه ، والحارث ، والباروردي ، ويسمونه ، وابن سعد ، والطبراني في الكبير ، وأبو نعيم ، والضياء عن الأشعث بن قيس الكندي قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : «هل لك من ولد ؟ » . قلت : غلام ولد مخرجي إليك من ابنة فلان ولوددت أن يشبع القوم . فقال : «لا تقولن ذا فإن فيهم قرة عين وأجرا إذا قبضوا» . ثم قال : «إنهم لمجبنة مبخلة» .

وروى العسكري عنه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : «ما فعلت بنت عمك ؟ » قلت : نفست بغلام والله لوددت أن لي سبية . فقال : «إنهم لمجبنة مبخلة وإنهم لقرة العين وثمرة الفؤاد» .

تنبيه : في بيان غريب ما سبق :

رجلوا : بالجيم أن سرحوا ونظفوا شعورهم .

الجمم : جمع جمة وهي من شعر الرأس ما سقط من المنكبين .

الحبرة : بالحاء المهملة والموحدة وزن عنبة وهي من البرود وما كان موشى مخططا يقال له حبرة ، وبرد حبرة على الوصف والإضافة ، وهو برد يماني .

كففوها بالحرير : أي جعلوا لكل جبة كفة من حرير وهي بضم الكاف وتشديد الفاء فتاء تأنيث وهي السجاف .

بنو آكل المرار : وهو الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية من كندة ولقب بذلك لأكله المرار هو وأصحابه ، والمرار شجر معروف . وللنبي صلى الله عليه وسلم جدة من كندة وهي أم كلاب بن مرة واسمها دعد بنت شريد بن ثعلبة بن الحارث الكندي ، وقيل بل هي جدة كلاب أم أمه هند .

لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا : أي لا نتهمها ولا نقذفها وقيل معناه : لا نترك النسب إلى الآباء وننتسب إلى الأمهات .

القادسية : قرية قرب الكوفة .

جلولاء : بفتح الجيم وضم اللام وبالمد نهاوند : [بفتح أوله ورابعه مدينة عظيمة في قبلة همذان ] . [ ص: 404 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية