سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الخامس والثمانون في وفود محارب إليه صلى الله عليه وسلم

روى ابن سعد رحمه الله تعالى عن أبي وجرة السعدي قال : قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع ، وهم عشرة نفر منهم سواء بن الحارث ، وابنه خزيمة بن سواء ، فأنزلوا دار رملة بنت الحدث ، وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء إلى أن جلسوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الظهر إلى العصر ، فأسلموا وقالوا : نحن على من وراءنا ، ولم يكن أحد في تلك المواسم التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه فيها على القبائل يدعوهم إلى الله ولينصروه ، أفظ ولا أغلظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم .

وكان في الوفد رجل منهم فعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمده النظر ، فلما رآه المحاربي يديم النظر إليه قال : كأنك يا رسول الله توهمني ، قال : «لقد رأيتك» . قال المحاربي : أي والله لقد رأيتني وكلمتني وكلمتك بأقبح الكلام ورددت عليك بأقبح الرد بعكاظ وأنت تطوف على الناس . فقال صلى الله عليه وسلم : «نعم» فقال المحاربي [يا رسول الله ما كان في أصحابي أشد عليك يومئذ ولا أبعد عن الإسلام مني] فأحمد الله الذي أبقاني حتى صدقت بك ، ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم . فقال صلى الله عليه وسلم : «إن هذه القلوب بيد الله عز وجل» . فقال : يا رسول الله ، استغفر لي من مراجعتي إياك . فقال صلى الله عليه وسلم : «إن الإسلام يجب ما كان قبله من الكفر» .

ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه خزيمة بن سواء فكانت له غرة بيضاء ، وأجازهم كما يجيز الوفد وانصرفوا إلى أهليهم
. وروى ابن شاهين وأبو نعيم في معرفة الصحابة ، وأبو بكر بن خلاد النصيبي في الجزء الثاني من فوائده عن أبان المحاربي ويقال له أبان العبدي قال : «كنت في الوفد فرأيت بياض إبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفع يديه يستقبل بهما القبلة» .

تنبيه : في بيان غريب ما سبق :

أغلظ العرب وأفظه : بالظاء المعجمة المشالة هما بمعنى شدة الخلق وخشونة الجانب .

نائبين : بالنون في أوله من النيابة .

توهمني : حذف منه إحدى التاءين أي تتوهمني . رأيتك : بضم الفوقية .

ورأيتني وكلمتني : بفتح الفوقية فيهما على الخطاب .

عكاظ : بعين مهملة مضمومة وكاف مخففة وبعد الألف ظاء معجمة مشالة .

فأحمد الله : بفتح الهمزة والميم .

يجب : بفتح التحتية وضم الجيم وتشديد الموحدة يقطع . [ ص: 410 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية