سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثاني والتسعون في وفود النخع إليه صلى الله عليه وسلم

روى ابن سعد عن أشياخ من النخع قالوا : بعثت النخع رجلين منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وافدين بإسلامهم : أرطأة بن شراحيل بن كعب بن بني حارثة بن سعد بن مالك بن النخع ، والجهيش واسمه الأرقم من بني بكر بن عوف بن النخع . فخرجا حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض عليهما الإسلام فقبلاه وبايعاه على قومهما ، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنهما وحسن هيئتهما ، فقال : «هل خلفتما وراءكما قومكما مثلكما ؟ » فقالا : يا رسول الله ، قد خلفنا وراءنا من قومنا سبعين رجلا كلهم أفضل منا ، وكلهم يقطع الأمر وينفذ الأشياء ما يشاركوننا في الأمر إذا كان .

فدعا لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقومهما بخير وقال : «اللهم بارك في النخع » .

وعقد لأرطأة لواء على قومه ، فكان في يده يوم الفتح ، وشهد به القادسية ، فقتل يومئذ فأخذه أخوه دريد فقتل رحمهما الله فأخذه سيف بن الحارث من بني جذيمة فدخل به الكوفة
.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا الحي من النخع ، أو قال : يثني عليهم ، حتى تمنيت أني رجل منهم . رواه الإمام أحمد برجال ثقات ، والبزار والطبراني .

قصة أخرى : قال محمد بن عمر الأسلمي : كان آخر من قدم من الوفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد النخع ، وقدموا من اليمن للنصف من المحرم سنة إحدى عشرة ، وهم مائتا رجل ، فنزلوا دار رملة بنت الحدث ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرين بالإسلام ، وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن ، فكان فيهم زرارة بن عمرو . قال : أخبرنا هشام بن محمد هو زرارة بن قيس ابن الحارث بن عدي ، وكان نصرانيا .

وروى ابن شاهين من طريق أبي الحسن المدائني عن شيوخه ، ومن طريق ابن الكلبي قال : حدثني رجل من جرم عن رجل منهم قال : وفد رجل من النخع يقال له زرارة بن عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني رأيت في سفري هذا رؤيا هالتني ، وفي رواية : رأيت عجبا . قال : «وما رأيت ؟ » قال : رأيت أتانا تركتها في الحي كأنها ولدت جديا أسفع أحوى . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هل لك من أمة تركتها مصرة حملا ؟ » قال : نعم تركت أمة لي أظنها قد حملت قال : «فإنها قد ولدت غلاما وهو ابنك» . فقال : يا رسول الله ، ما باله أسفع أحوى ؟ قال : «ادن مني» فدنا منه . فقال : «هل بك برص تكتمه ؟ » قال : والذي بعثك بالحق نبيا [ ص: 424 ] ما علم به أحد ولا اطلع عليه غيرك . قال : «فهو ذلك» . قال : يا رسول الله ، ورأيت النعمان بن المنذر وعليه قرطان ودملجان ومسكتان . قال : «ذلك ملك العرب عاد إلى أحسن زيه وبهجته» . قال : يا رسول الله ، ورأيت عجوزا شمطاء خرجت من الأرض قال : «تلك بقية الدنيا» . قال : ورأيت نارا خرجت من الأرض فحالت بيني وبين ابن لي يقال له عمرو ، ورأيتها تقول : لظى لظى ، بصير وأعمى ، أطعموني آكلكم آكلكم أهلككم ومالكم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «تلك فتنة في آخر الزمان» . قال : وما الفتنة يا رسول الله ؟ قال : «يقتل الناس إمامهم ثم يشتجرون اشتجار أطباق الرأس وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه- يحسب المسيء أنه محسن ودم المؤمن عند المؤمن أحلى من شرب الماء ، إن مات ابنك أدركت الفتنة وإن مت أنت أدركها ابنك» . فقال : يا رسول الله ، ادع الله ألا أدركها . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم لا يدركها» . فمات وبقي ابنه ، وكان ممن خلع عثمان رضي الله تعالى عنه .

تنبيه : في بيان غريب ما سبق :

النخع : بفتح النون والخاء المعجمة وبالعين المهملة .

أرطاة : بهمزة مفتوحة فراء ساكنة فطاء مهملة فألف فتاء تأنيث .

الأتان : بفتح الهمزة ففوقية فألف فنون : الأنثى من الحمر .

المسكة : بفتح الميم والسين المهملة والكاف فتاء تأنيث : السوار والخلاخيل من الذبل وهي قرون الأوعال قاله ابن سيده . [ ص: 425 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية