سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات :

الأول : العقل مصدر في الأصل مأخوذ من عقل البعير ، وهو منعه بالعقال من القيام ، أو مأخوذ من الحجر وهو المنع ، قال تعالى : هل في ذلك قسم لذي حجر [الفجر : 5]؛ لأنه يعقل صاحبه ، ويحجره عن الخطأ ، وهو مع البلوغ مناط التكليف .

الثاني : اختلف في محله ، فالجمهور من المتكلمين والشافعية أنه في القلب .

روى البخاري رحمه الله تعالى في الأدب والبيهقي في الشعب ، بسند جيد ، عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : العقل في القلب ، والرحمة في الكبد ، والرأفة في الطحال ، والنفس في الرئة .

وأكثر الأطباء والحنفية أنه في الدماغ ، واستدل الأولون بقوله تعالى : فتكون لهم قلوب يعقلون بها [الحج : 46] وقال تعالى : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب [ق : 37] ، وبقوله صلى الله عليه وسلم : «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب» .

فجعل صلى الله عليه وسلم صلاح الجسد وفساده تابعا للقلب ، مع أن الدماغ من جملة الجسد ، ويجاب عن استدلال الأطباء أنه في الدماغ بأنه إذا فسد فسد العقل بأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ ، مع أن العقل ليس فيه ، ولا امتناع في هذا .

الثالث : اختلف في ماهيته فقيل : هو التثبت في الأمور؛؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك ، وقيل : هو التمييز الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان .

وقال المحاسبي رحمه الله تعالى : هو نور يفيد الإدراك ، وذلك النور يقل ويكثر ، فإذا قوي منع ملاحقة الهوى .

وقال إمام الحرمين رحمه الله تعالى : العقل علوم ضرورية ، يعطيها حواس السمع والبصر ، والنطق ، أو لا يكون كسبها من الحواس .

وقال صاحب القاموس : العقل : العلم بصفات الأشياء من حسنها ، وقبحها ، وكمالها ، ونقصانها ، أو العلم بخير الخيرين وشر الشرين ، أو يطلق لأمور لقوة بها يكون التمييز بين القبح والحسن ، ولمعان مجتمعة في الذهن ، يكون بمقدمات تستتب بها الأغراض والمصالح ، ولهيئة محمودة في الإنسان ، في حركاته وسكناته ، والحق أنه نور روحاني ، به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية ، وابتداء وجوده عند اجتنان الولد ، ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ . [ ص: 5 ]

الرابع : قال بعض العلماء رحمه الله تعالى : العقل أنواع :

الأول : غريزي : وهو في كل آدمي مؤمن وكافر .

الثاني : كسبي : وهو الذي يكتسبه المرء من معاشرة العقلاء ، ويحصل للكافر أيضا .

الثالث : عطائي : وهو عقل المؤمن الذي اهتدى به للإيمان .

الرابع : عقل الزهاد ، وذكر الفقهاء : لو أومئ لأعقل الناس صرف للزهاد .

الخامس : شرفي : وهو عقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أشرف العقول .

الخامس : اختلف في التفضيل بين العقل والعلم .

قال الشيخ الإمام العلامة محيي الدين الكافيجي -وهو بفتح الفاء- : التحقيق أن العلم أفضل باعتبار كونه أقرب منه بالإفضاء إلى معرفة الله تعالى وصفاته ، والعقل أفضل باعتبار كونه أصلا ومنبعا للعلم . انتهى ما في شرح الأسماء .

السادس : حديث «أول ما خلق الله تعالى العقل ، فقال له : أقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أشرف منك ، فبك آخذ ، وبك أعطي» رواه ابن عدي والعقيلي في الضعفاء عن أبي أمامة وأبو نعيم عن عائشة ، قلت : وهو من الأحاديث الواهية الضعيفة وقد بينته .

السابع : في بيان غريب ما سبق .

اللب : بضم اللام وتشديد الموحدة : هو العقل السليم من شوائب الوهم .

الثقوب : قوة الإدراك للطائف العلوم ، ومهمات الأمور ، وملمات الأحوال ، كأنه يثقبها كما يثقب النجم الظلام بقوة ضوئه .

الفطنة : تهيؤ قوة النفس لتصور ما يرد عليها من المعاني .

السياسة : الملك للناس بقرائن العقل ، ولهجته الصدق ، ونهج الحق في القيام عليهم بما يصلحهم .

الرذائل : الأفعال الرديئة ، وتجنبها بمخالفة الهوى ، والميل إلى منهج الهدى . [ ص: 6 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية