سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السابع عشر

في قناعته باليسير وسؤاله ربه تبارك وتعالى أن يجعل رزقه قوتا ، ورغبته أن يكون مسكينا

وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» .

وروى بقي بن مخلد في مسنده عن يونس بن أبي يعقوب ، عن أبيه عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دخل عليه وهو على مائدته ، فأوسع له عن صدر المجلس فقال : باسم الله ، ثم ضرب بيده ، ولقم لقمة ثم ثنى بأخرى ، ثم قال : إني لأجد طعم دسم ، ما هو بدسم اللحم ، فقال عبد الله : يا أمير المؤمنين إني خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه فوجدته غاليا ، فاشتريت من المهزول بدرهم ، وإني عملت عليه بدرهم سمنا ، فقال عمر : ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا أكل أحدهما ، وتصدق بالآخر ، فقال عبد الله : يا أمير المؤمنين : فلن يجتمعا عندي إلا فعلت ذلك ، قال : ما كنت بالذي تفعل .

وروى ابن الجوزي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء لغداء ، ولا غداء لعشاء ، ولا يتخذ من شيء زوجين ، لا قميصين ، ولا رداءين ، ولا إزارين ، ولا من النعال ، ولا رئي فارغا قط في بيته ، إما يخصف نعلا لرجل مسكين ، أو يخيط ثوبا لأرملة .

وروى ابن المبارك في الزهد عن الأوزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما أبالي ما رددت به عن الجوع» .

وروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على أم هانئ بنت أبي طالب ، وكان جائعا فذكر الحديث ، وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هل عندك طعام آكل» فقالت : إن عندي لكسرة يابسة ، وإني أستحي أن أقدمها ، قال : «هلميها فكسرها في ماء» ، فجاءته بملح ، فقال : «ما من أدم ؟ » فقالت : ما عندي يا رسول الله إلا شيء من خل ، فقال : «هلميه» ، فلما جاءت صبه على طعامه ، وأكل ، ثم حمد الله تعالى ، ثم قال : «نعم الأدم الخل يا أم هانئ لا يفتقر بيت فيه خل» .

[ ص: 86 ] وروى أبو بكر بن أبي خيثمة ، عن السائب بن يزيد ، عن خالته قالت : دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه طبق خوص ، فيه خبز وقديد ، قالت : فلما فرغ انحرف إلى فخارة فتوضأ منها ، فابتدرنا وضوءه ، فمنا من مضمض ، ومنا ما سكب على وجهه .

وروى أبو الحسن بن الضحاك ، عن عتبة بن غزوان رضي الله تعالى عنه قال : لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما لنا طعام إلا أوراق الشجر ، حتى تقرحت أشداقنا .

وروى الإمام أحمد عن أسماء بنت عميس ، وكانت صاحبة عائشة التي خبأتها فأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة ، فما وجدنا عنده إلا قوتا ، إلا قدحا من لبن ، فتناول فشرب منه ، ثم ناوله عائشة فاستحيت منه ، فقلت : لا تردي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذته فشربته ، ثم قال : «ناولي صواحبك» ، فقلت : لا نشتهيه ، فقال : «لا تجمعن كذبا وجوعا» ، فقلت : إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهي ، أيعد ذلك كذبا ؟ فقال : «إن الكذب يكتب كذبا ، حتى الكذيبة تكتب كذيبة» .

التالي السابق


الخدمات العلمية