سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثامن عشر

في أنه كان لا يدخر شيئا لغد ، وما جاء أنه ادخر قوت سنة لعياله صلى الله عليه وسلم

روى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد .

وروى الإمام أحمد وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فقال : «ما يسرني أنه ذهب لآل محمد ، أنفقه في سبيل الله ، أموت يوم أموت وعندي منه ديناران ، إلا دينارين أعدهما للدين إن كان» .

وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يوما : «ما عندك شيء تطعمنا ؟ » قلت : نعم يا رسول الله ، فضل من الطعام الذي كان أمس ، قال : «ألم أنهك أن تدع طعام يوم لغد ؟ » .

وروى أبو سعد الماليني ، والخطيب عنه أيضا قال : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طائران ، وفي لفظ : طيران فقال : «ما هذا ؟ » قال بلال : خبأته لك يا رسول الله ، فقال : «يا بلال لا تخف من ذي العرش إقلالا؛ إن الله تعالى سيأتي برزق كل غد ، ألم أنهك أن تدخر شيئا لغد ؟ » .

وروى ابن حبان والبيهقي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساهم الوجه قالت : حسبت ذلك من وجع ، قلت : ما لي أراك صلى الله عليه وسلم ساهم الوجه ؟ قال : «من أجل الدنانير السبعة التي أتتنا بالأمس ، ولم نقسمها» .

وروى البيهقي ، والبزار ، والطبراني ، وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال فوجد عنده صبرة من تمر ، فقال : «ما هذا يا بلال ؟ » فقال : تمر أدخره ، فقال : «ويحك يا بلال! أوما تخاف أن يكون له بخار في النار ؟ أنفق يا بلال ، ولا تخش من ذي العرش إقلالا» .

وروى ابن سعد والبيهقي أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لأبي أمامة بن سهل بن [ ص: 88 ] حنيف ، وعروة بن الزبير : لو رأيتما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض له ، وكانت عندي ستة دراهم أو سبعة ، قالت : فأمرني نبي الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها ، قالت : فشغلني وجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله ، ثم سألني عنها ، فقال : «ما فعلت ، أكنت فرقت الستة الدنانير أو السبعة ؟ » فقلت : لا والله ، لقد كان شغلني وجعك ، قالت : فدعا بها ، فوضعها في كفه ، فقال : «ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده ؟ !» .

وتقدمت أحاديث في باب فقراء مكة .

وروى البزار عن أبي سعيد ، والبزار ، والطبراني عن سمرة بن جندب ، والطبراني ، والبزار -بسند حسن- والإمام أحمد ، وأبو يعلى -برجال ثقات- والبزار والإمام أحمد -بسند حسن- عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم ، وفي يده قطعة من ذهب ، فقال لعبد الله بن عمر : ما كان قال لربه إذا مات وهذه عنده ؟ فقسمها قبل أن يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتفت إلى أحد ، فقال : «والذي نفسي بيده ما يسرني أن يحول هذا ذهبا وفضة لآل محمد ، أنفقه في سبيل الله ، أبقى بعد صبح ثلاثة وعندي منه شيء ، إلا شيئا أعده لدين» ، وفي لفظ : «أموت يوم أموت أدع منه دينارين ، إلا دينارين أعدهما لدين إن كان» .

قال ابن عباس : فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ترك دينارا ولا درهما ، ولا عبدا ولا وليدة ، وترك درعه مرهونة عند رجل من اليهود رهنا بثلاثين صاعا من شعير ، كان يأكل منها ويطعم عياله .

وروى الطبراني والبزار عن بلال رضي الله تعالى عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي شيء من تمر ، فقال : «ما هذا ؟ » فقلت : ادخرنا لشتائنا ، فقال : «أما تخاف أن ترى له بخارا في جهنم ؟ » .

وروى البزار والطبراني -بسند حسن- عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال ، وعنده صبرة من تمر ، فقال : «ما هذا يا بلال» ، قال : أعددت ذلك لأضيافنا ، قال : «أما تخشى أن يكون له بخار في نار جهنم ؟ أنفق بلال ، ولا تخش من ذي العرش إقلالا» .

وروى أبو ذر الهروي في دلائله عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا بلال أطعمنا» ، قال : ما عندي إلا صبرة من خبز ، خبأته لك ، قال : «أما إن الله يجعل له بخارا في نار جهنم ، أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا» .

وروى البخاري عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صرة المدينة فاستقبلنا أحدا ، فقال : يا أبا ذر» ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : «ما يسرني أن [ ص: 89 ] عندي مثل أحد ذهبا ، تمضي علي ثلاثة وعندي منه دينار ، إلا شيئا أرصده لدين ، إلا أن أقول في عباد الله هكذا وهكذا» .

وروي عن أبي هريرة نحوه .

وروى أبو بكر الحميدي ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار ، فجعل يلتقط من التمر ، ويأكل ، فقال لي : «يا ابن عمر ما لك لا تأكل ؟ » قلت : يا رسول الله لا أشتهيه ، قال : «لكني أشتهيه ، وهذه صبح رابعة لم أذق طعاما ، ولم أجده ، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر ، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يحبون رزق سنتهم ويضعفون ؟ قال : فوالله ما برحنا ولا زمنا حتى نزلت : وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم [العنكبوت : 60] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لم يأمرني بكنز الدنيا ، ولا اتباع الشهوات ، فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله ، ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ، ولا أخبئ رزقا لغد» .

التالي السابق


الخدمات العلمية