سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب العشرون

في صفة عيشه في الدنيا صلى الله عليه وسلم

روى الإمام أحمد ، والبخاري ، ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان يأتي علينا الشهر وما نوقد فيه نارا ، إنما هو التمر والماء ، إلا أن نؤتى باللحم .

وفي رواية : ما شبع آل محمد من خبز بر ثلاثة . وفي رواية : أيام متتابعات ، حتى قبض صلى الله عليه وسلم . وفي رواية : ما أكل آل محمد أكلتين في يوم واحد إلا إحداهما تمر . وفي رواية : أنها كانت تقول لعروة : يا ابن أختي ، إنا لننظر إلى الهلال ، ثم الهلال ، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ، وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، قلت : يا خالة فما كان يعيشكم ؟ قالت : الأسودان : التمر والماء ، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار ، وكانت لهم منائح ، وكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها ، فيسقيناه .

وفي رواية قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شبع الناس من الأسودين ، التمر والماء .

وفي رواية ، قالت : ما شبعنا من الأسودين التمر والماء .

وفي رواية لمسلم ، والإمام أحمد وابن سعد ، قالت : والله لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين .

وفي رواية عند الإمام أحمد أنها كانت تقول لعروة : وايم الله ، يا ابن أختي إن كان يمر على آل محمد الشهر لم يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، لا يكون إلا أن حوالينا أهل دور من الأنصار -جزاهم الله خيرا في الحديث والقديم- فكل يوم يبعثون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزيرة شياههم ، فينال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، ولقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في رفي من طعام يأكله ذو كبد إلا قريبا من شطر شعير ، فأكلت منه حتى طال علي ، لا تغني وكلته عني ، فيا ليتني لم آكله ، وايم الله : وكان ضجاعه من أدم حشوه ليف .

وروى ابن عساكر عنها قالت : ما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم غداء لعشاء ، ولا عشاء لغداء قط ، ولا اتخذ من شيء زوجين لا قميصين ، ولا رداءين ، ولا إزارين ، ولا من النعال ، ولا رئي فارغا قط في بيته ، إما يخصف نعلا لرجل مسكين أو يخيط ثوبا لأرملة .

وروى الإمام أحمد والبخاري ومسلم ، والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : والذي نفسي بيده ، ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة ، حتى فارق الدنيا .

[ ص: 93 ] وروى الترمذي رضي الله تعالى عنه قال : ما كان يفضل عند أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خبز الشعير .

وروى الإمام أحمد برجال ثقات غير سليمان بن رومان بنحو رجاله عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : والذي بعث محمدا بالحق نبيا ما رأى منخلا ، ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله إلى أن قبض ، قيل ، كيف كنتم تصنعون ؟ قالت : كنا نقول أف أف .

وروى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال : لم يكن ينخل لرسول الله صلى الله عليه وسلم دقيق قط .

وروى البزار -بسند جيد- عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع هو ولا أهله من خبز الشعير .

وروى الطبراني عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال : ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شبعتين حتى فارق الدنيا .

وروى أبو يعلى برجال الصحيح غير طلحة النضري مولى عبد الله بن الزبير -فيجر رجاله- عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قميص القطن .

وروى الطبراني في الأوسط -بسند حسن- عنها قالت : ما كان يبقى على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير قليل ولا كثير . وفي رواية عنه : ما رفعت مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يديه وعليها فضلة من طعام قط .

وروى البخاري ومسلم والبيهقي عنها قالت : ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا حتى مضى لسبيله .

وروى الإمام أحمد ، وابن سعد والترمذي -وصححه- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا ، وأهله لا يجدون عشاء ، وكان عامة خبزهم خبز الشعير .

[ ص: 94 ] وروى الإمام أحمد وابن سعد والترمذي -وصححه- عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : ما كان يفضل من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خبز الشعير .

وروى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ما أكل محمد صلى الله عليه وسلم في يوم أكلتين إلا إحداهما تمر . وفي رواية : ما شبع محمد من خبز مأدوم حتى لقي الله تعالى .

وروى مسلم والبيهقي عن سماك بن حرب قال : سمعت النعمان بن بشير يقول : ألستم في طعام وشراب ما شئتم ، لقد سمعت ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول : لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم يلتوي من الجوع ، وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه .

وروى الإمام أحمد عن عمران بن حصين : ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مأدوم حتى مضى لسبيله .

وروى الطبراني عنه قال : ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غداء وعشاء حتى لقي ربه .

وروى الإمام أحمد ، وابن سعد وأبو داود ، والحارث بن أبي أسامة -برجال ثقات- عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن فاطمة رضي الله تعالى عنها جاءت بكسرة خبز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «ما هذه الكسرة ؟ » قالت : قرصة خبزتها ، فلم تطب نفسي إلا أن آتيك بهذه الكسرة ، فقال : «أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام» .

وروى البيهقي عن ابن مسعود ، وأبو داود الطيالسي ، وابن سعد عن واثلة بن الأسقع قال أضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا ، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما ، فلم يجد عند واحدة منهن شيئا ، فقال : «اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك ، فإنه لا يملكها إلا أنت» فأهديت إليه شاة مصلية ورغف ، فأكل منها أهل الصفة حتى شبعوا ، فقال : «إنا سألنا الله تعالى من فضله ورحمته ، فهذا فضله ، وقد ادخر لنا رحمته» وفي لفظ : ونحن ننتظر الرحمة .

وروى ابن عساكر عن مسروق قال : دخلت على عائشة يوما ، فدعت بطعام فقالت لي : كل فلقل ما أشبع من طعام ، فأشاء أن أبكي إلا بكيت ، قال : قلت : لم يا أم المؤمنين ؟ قالت : أذكر الحال التي فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مرتين من خبز شعير -وفي لفظ : خبز بر- حتى لحق بالله .

[ ص: 95 ] وروى عنها قالت : ما شبع آل محمد ثلاثة أيام من خبز البر حتى ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت ، وما زالت الدنيا علينا عسرة كدرة حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما مات انصبت علينا صبا .

وروى ابن أبي شيبة ، والإمام أحمد ، وأبو يعلى ، والترمذي في الشمائل ، وابن سعد -بإسناد صحيح- عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتمع له غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف .

وروى الطبراني ، واللفظ له ، والبزار -ورواته ثقات- عن طلحة بن عمرو ، والطبراني عن فضالة الليثي رضي الله تعالى عنهما قالا : كان الرجل إذا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن له عريف في المدينة نزل بأصحاب الصفة ، قال الأول : وكان لي بها قرناء ، وقال الثاني : نزلت الصفة ، قال الأول : فكان يجري علينا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم اثنين مدان من تمر ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الصلوات إذ ناداه مناد . وقال الثاني : يوم الجمعة ، فقال : يا رسول الله أحرق بطوننا التمر وتخرقت عنا الخنف . فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قام فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم ذكر ما لقي من قومه من الشدة ، قال : «مكثت أنا وصاحبي بضعة عشر يوما ما لنا طعام غير البرير حتى قدمنا على إخواننا من الأنصار ، فواسونا في طعامهم ، ومعظم طعامهم التمر واللبن ، والذي لا إله إلا هو لو أجد لكم الخبز واللحم لأطعمتكموه دثورا» الحديث .

وروى ابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لو أردت أن أخبركم بكل شبعة شبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ، لفعلت .

وروى أيضا عنها قالت : إنه ليأتي على آل محمد الشهر ما يختبزون خبزا ولا يطبخون طبخا .

وروى ابن سعد والإمام أحمد برجال الصحيح ، وابن عساكر وابن الجوزي عنها قالت : أهديت لنا ذات يوم يد شاة من بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، فوالله إني لأمسكها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحزها ، أو يمسكها علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحزها ، قيل : على غير مصباح ؟ قالت : لو كان عندنا دهن مصباح لأكلناه ، إن كان ليأتي على آل محمد الشهر ما يخبزون فيه خبزا ، ولا يطبخون فيه برمة . [ ص: 96 ]

وروى ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو ولا أهله من خبز الشعير .

وروى ابن سعد عنه قال : ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكسر اليابسة ، حتى فارق الدنيا ، وأصبحتم تهذرون الدنيا .

وروى ابن أبي الدنيا عن أم أيمن رضي الله تعالى عنها أنها غربلت دقيقا تصنعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ما هذا ؟ » قالت : طعام نصنعه في أرضنا ، فأحببت أن أصنع لك رغيفا ، قال : «رديه» .

وروى أبو الحسن بن الضحاك وابن سعد عن الحسن رحمه الله تعالى قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال : «والله ما أمسى في آل محمد صاع من طعام لتسعة أبياته ، والله ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم استقلالا لرزق الله تعالى ، ولكن أراد أن تتأسى به أمته» .

وروى مسلم والبخاري ، وأبو الشيخ ، والبرقاني عن قتادة عن أنس قال : مشيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وله هالة ولقد سمعته يقول : «ما أصبح لآل محمد ولا أمسى في آل محمد إلا صاع ، وإنهن يومئذ لتسعة أبيات» .

وروى الترمذي وابن سعد عن نوفل بن إياس الهذلي قال : أتينا في بيت عبد الرحمن بن عوف بصحيفة فيها خبز ولحم ، فلما وضعت بكى عبد الرحمن ، قلت : ما يبكيك ؟ فقال : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو ولا أهله من خبز الشعير ، ولا أرانا أخرنا لما هو خير لنا .

وروى ابن سعد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : شهدت وليمة للنبي صلى الله عليه وسلم ما فيها خبز ولا لحم .

وروى أيضا أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه مر بالمغيرة بن شعبة وهو يطعم الطعام ، فقال : ما هذا الطعام ؟ قال : خبز النقي واللحم للمسلمين قال : وما النقي ؟ قال : الدقيق ، فعجب أبو هريرة ، ثم قال : عجبا لك يا مغيرة ، رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضه الله تعالى وما شبع من الخبز والزيت مرتين في يوم ، وأنت وأصحابك تهذرون ههنا الدنيا بينكم ونقد بإصبعه ، يقول : كأنكم صبيان .

وروى أبو بشر محمد بن أحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لقد رأيتنا نحبس [ ص: 97 ] الكراع يعني من لحوم الأضاحي ، فنأكله بعد خمسة عشر يوما ، قال عابس : فقلت : فما كان يحملكم على ذلك ؟ فضحكت ، وقالت : ما شبع آل محمد من خبز البر مأدوما يومين ، حتى لحق بالله تعالى .

وروى أبو الحسن بن الضحاك عن يزيد الرقاشي قال : قدم على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وفد من قبل البصرة فيهم الأحنف بن قيس ، فرأوا طعاما خشنا وثوبين خلقين ، فكلموا حفصة أن تكلمه في ذلك ، فكلمته ، فجعل عمر رضي الله تعالى عنه يناشدها الله ، هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث عشرين سنة لم يشبع من خبز الشعير ؟ لم يشبع ثلاثين يوما تباعا .

وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبعنا من الأسودين .

وروى ابن سعد والدارقطني في الأفراد ، وصححه عن أبي حازم قال : قلت لسهل بن سعد : أكانت المناخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ما رأيت منخلا في ذلك الزمان ، وما أكل النبي صلى الله عليه وسلم الشعير منخولا حتى فارق الدنيا ، فإن قلت : كيف تصنعون ؟ قال : «كنا نطحنها ، ثم ننفخ قشرها ، فيطير ما طار ، ويتمسك ما استمسك» .

وروى ابن سعد عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتوي يومه من الجوع ، ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه .

وروى ابن سعد ، والإمام أحمد وأبو يعلى وابن أبي شيبة في المصنف عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه قال : احمدوا الله عز وجل فربما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم يظل يلتوي ما يشبع من الدقل .

ولفظ ابن أبي شيبة : ألستم في طعام وشراب ما شئتم ، فقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد الدقل ما يملأ به بطنه .

وروى ابن أبي الدنيا وأبو سعد الماليني وأبو الحسن بن الضحاك ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي جالسا ، قلت : يا رسول الله ما أصابك ؟ قال : «الجوع» ، فبكيت قال : «لا تبك يا أبا هريرة ، فإن شدة الجوع لا تصيب الجائع -يعني يوم القيامة- إذا احتسب في دار الدنيا» .

[ ص: 98 ]

وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مرتين ، حتى لقي الله تعالى ، ولا رفعنا له فضل طعام عن شبع ، حتى لقي الله ، إلا أن يرفعه لغائب ، فقيل لها : ما كانت معيشتكم ؟ قالت : الأسودان الماء والتمر ، قالت : وكان لنا جيران من الأنصار لهم ربائب منائح يسقونا من لبنها ، جزاهم الله تعالى خيرا .

وروى الشيخان والإمام أحمد وابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدموا المدينة ثلاثة أيام تباعا ، حتى مضى لسبيله . زاد ابن سعد والإمام أحمد : وما رفع عن مائدته كسرة قط حتى قبض .

وروى أبو داود الطيالسي ، ومسلم ، وابن سعد عنها قالت : ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين ، حتى قبض . زاد ابن سعد : وإن كان ليهدى لنا قناع فيه كعب من إهالة فنفرح به .

التالي السابق


الخدمات العلمية