سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الحادي والعشرون

في هيبته ، ووقاره صلى الله عليه وسلم

وروى ابن سعد ، وابن جرير عن قيلة بنت مخرمة قالت : لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متخشعا في الجلسة أرعدت من الفرق ، فقال جليسه : يا رسول الله أرعدت المسكينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- «ولم ينظر إلي ، وأنا عند ظهره -يا مسكينة ، عليك بالسكينة» فلما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم أذهب الله تعالى ما دخل قلبي من الرعب .

وروى محمد بن أبي عمر ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي -وصححه- وابن حبان عن يزيد بن الأسود السوائي رضي الله تعالى عنه قال : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، فصلى بنا صلاة الصبح ، فانحرف فاستقبل الناس بوجهه صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو برجلين من وراء الناس لم يصليا مع الناس فقال : «ائتوني بهذين الرجلين» فأتي بهما ترعد فرائصهما ، فقال : ما منعكما أن تصليا مع الناس ؟ » قالا : يا رسول الله ، إنا قد صلينا في رحالنا ، فقال : «فلا تفعلا ، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الصلاة مع الإمام فليصلها معهم؛ فإنها له نافلة» .

وروى أبو داود ، وابن ماجه -بسند لا بأس به- عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال : كنا نجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فأرعد ، فقال : «هون عليك؛ فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» .

وروى ابن عدي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كنا نجلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ، ما يتكلم منا أحد ، إلا أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما .

وروى ابن سعد عن أبي رمثة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي ابني ، فقال : يا بني هذا نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه أرعد من هيبته .

وروى يعقوب بن سفيان عنه أيضا قال : انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأيته ، قال : هل تدري من هذا ؟ قلت : لا ، قال : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واقشعررت حين قال ذلك ، وكنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لا يشبه الناس فإذا هو بشر .

وروى الترمذي في الشمائل عن علي رضي الله تعالى عنه قال : من رأى [ ص: 109 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه .

وروى مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال : ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أجل في عيني منه ، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه .

وروى ابن حبان والحاكم ، والذهبي ، وأقره ، عن أسامة بن شريك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتكلم منا متكلم ، كأن على رؤوسنا الرخم .

ورواه الطبراني بسند صحيح بلفظ : كأنما على رؤوسنا الطير ، ما منا متكلم .

ورواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه بلفظ : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه حوله ، وعليهم السكينة ، كأنما على رؤوسهم الطير ، فسلمت ، ثم قعدت ، وذكر الحديث .

ورواه الطيالسي بسند صحيح ، وابن أبي شيبة ، وأحمد بن منيع عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة من الأنصار فانتهينا إلى القبر ، ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلسنا حوله ، كأنما على رؤوسنا الطير .

وروى ابن حبان ، والحاكم ، وصححه الذهبي ، وأقره ، عن ابن بريدة عن أبيه قال : كنا إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ترتفع رؤوسنا إليه إعظاما له .

وروى الترمذي ، والحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد لم يرفع أحد منا إليه رأسه غير أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما؛ فإنهما كانا يبتسمان إليه ، ويبتسم إليهما .

وروى الحاكم ، وصححه الذهبي ، وأقره ، عن سلمان رضي الله تعالى عنه أنه كان في عصابة يذكرون الله تعالى ، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بعضهم ، فجاء نحوهم قاصدا ، حتى دنا منهم ، فكفوا عن الحديث؛ إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروى ابن سعد عن قيس بن أبي حازم ، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام بين يديه ، فأخذه من الرعدة شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هون عليك؛ فإني لست ملكا ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» .

وروى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة .

وروى قاسم بن ثابت عن علي رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ، ولا بالقصير ، من رآه هابه ، أي : أكبره وعظمه .

[ ص: 110 ] وروى وصححه الذهبي عن أبي مسعود ، قال : إني كنت أضرب غلاما لي ، إذ سمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود الله أقدر عليك منك عليه ، قال : فجعلت لا ألتفت إليه من الغضب ، حتى غشيني ، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأيته وقع السوط من بين يدي من هيبته .

وروى البيهقي عن أم معبد رضي الله تعالى عنها ، عنه صلى الله عليه وسلم : إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء ، له رفقاء يحفون به ، إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر ابتدروا إلى أمره ، محفود محشود لا عابس ولا معتد .

وروى أيضا عن هند بن أبي هالة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما .

التالي السابق


الخدمات العلمية