سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
وروى الطبراني وابن عساكر برجال ثقات عن خوات بن جبير ، رضي الله تعالى عنه [ ص: 115 ] قال : نزلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران فخرجت من خبائي فإذا نسوة يتحدثن ، فأعجبنني ، فرجعت ، وأخرجت حلة لي ، فلبستها ، ثم جلست إليهن ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته ، فقال : «أبا عبد الله ما يجلسك إليهن ؟ » قال فهبت رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلطت ، وقلت : يا رسول الله جمل لي شرود ، فأنا أبتغي له قيدا ، قال : «فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته ، فألقى إلي رداءه ، ودخل في الأراك ، فكأني أنظر إلى بياض قدميه في خضرة الأراك ، فقضى حاجته ، ثم توضأ ، ثم جاء ، فقال : «أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ » ثم ارتحلنا ، فجعل لا يلحقني في مسير إلا قال : «السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ » قال : فتعجلت إلى المدينة ، واجتنبت المسجد ، ومجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما طال علي ذلك تحينت ساعة خلوة المسجد ، فأتيت المسجد فجعلت أصلي ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره فجاء فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم جلس ، وطولت الصلاة؛ رجاء أن يذهب ، ويدعني ، فقال : «طول أبا عبد الله ما شئت فلست بقائم حتى تنصرف» ، فقلت : والله لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانصرفت ، فقال : «السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ » فقلت : والذي بعثك بالحق نبيا ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت ، فقال : «رحمك الله مرتين أو ثلاثا» ، ثم أمسك عني ، فلم يعد لشيء مما كان .

وروى ابن أبي خيثمة عن عون بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «عون ؟ » قلت : نعم يا رسول الله قال : «ادخل» ، قلت : كلي ؟ قال : «كلك» .

وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عبد الله بن بسر المازني رضي الله تعالى عنهما قال : بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب فأكلته ، فسألت أمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا» ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآني قال : «غدر غدر» .

وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، وأنا جارية لم أحمل اللحم ، ولم أبدن ، فقال للناس : «تقدموا» ، فتقدموا ، ثم قال : «تعالي حتى أسابقك» ، فسابقته ، فسبقته ، فسكت عني ، حتى حملت اللحم ، وبدنت ، ونسيت ، ثم خرجت معه في بعض أسفاره ، فقال للناس : «تقدموا» ، ثم قال : «تعالي أسابقك» ، فسبقني ، فجعل يضحك ، ويقول : «هذه بتلك» .

[ ص: 116 ] وروى ابن عساكر ، وابن الجوزي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لعائشة ذات يوم : «ما أكثر بياض عينك!» .

وروى ابن الجوزي عن ابن أبي الورد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه قال : فرأى رجلا أحمر ، فقال : «أنت أبو الورد» .

وروى الترمذي ، وابن الجوزي ، عن أنس رضي الله تعالى عنهما أن عجوزا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن شيء فقال لها ومازحها : «لا يدخل الجنة عجوز» ، وحضرت الصلاة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ، وبكت بكاء شديدا ، حتى رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت عائشة : يا رسول الله إن هذه المرأة تبكي لما قلت لها : لا يدخل الجنة عجوز ، فضحك ، وقال : «أجل لا يدخل الجنة عجوز ، ولكن الله تعالى قال : إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا [الواقعة : 35] وهذا لعجائز الرمص» ورواه الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله تعالى عنها .

وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب ، ومسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم سليم ولها ابن من أبي طلحة ، يكنى أبا عمير ، وكان يمازحه ، فدخل عليه فرآه حزينا فقال : «ما لي أرى أبا عمير حزينا ؟ » قالوا : يا رسول الله مات نغره الذي كان يلعب به ، فجعل يقول : «أبا عمير ما فعل النغير ؟ » .

وروى الحاكم في علوم الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بيد الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما فيرفعه على باطن قدميه ويقول : «حزقة حزقة ترق عين بقة ، اللهم إني أحبه فأحبه» .

وروى ابن أبي شيبة ، وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسن بن علي ، فيرى الصبي لسانه فيهش إليه .

وروي عن أبي هريرة قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فثقل على القوم بعض متاعهم ، فجعلوا يطرحونه علي ، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «أنت زاملة» .

وروى البخاري في الأدب وابن عساكر عن سفينة رضي الله تعالى عنه قال : ثقل على القوم متاعهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ابسط كساءك» فجعلوا فيه متاعهم فقال [ ص: 117 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : «احمل فأنت سفينة» ، قال : فلو حملت من يومئذ وقر بعير ، أو بعيرين ، أو ثلاثة -حتى بلغ سبعة- ما ثقل علي .

وروى أبو بكر الشافعي عن سفينة رضي الله تعالى عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وكان إذا أعيا بعض القوم ألقى علي سيفه ، ألقى علي ترسه ، حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت سفينة» .

وروى أبو بكر بن أبي خيثمة ، وأبو سعيد بن الأعرابي ، وأبو بكر الشافعي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا ذا الأذنين» .

وروى ابن عساكر عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي على ظهره ، فإذا سجد نحاه .

وروي عن ابن أبي ليلى رضي الله تعالى عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الحسن ، فأقبل ، ثم تمرغ عليه ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فقبل زبيبته .

وروى ابن عساكر وأبو الحسن بن الضحاك ، والحاكم عن أبي جعفر الخطمي أن رجلا كان يكنى أبا عمرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أم عمرة» فضرب الرجل بيده إلى مذاكره ، فقال : والله ما ظننت إلا أني امرأة لما قلت لي يا أم عمرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما أنا بشر أمازحكم» .

وروى الطبراني عن حصين والد عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيت فاطمة رضي الله تعالى عنها فخرج إليه الحسن أو الحسين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ارق بأبيك ، عين بقة» ، وأخذ بإصبعه يرقى على عاتقه ، ثم خرج الآخر : الحسن أو الحسين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مرحبا ارق ، بأبيك عين بقة» وأخذ بإصبعه ، فاستوى على عاتقه الآخر ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقفيتهما حتى وضع أفواههما على فيه ، ثم قال : «اللهم إني أحبهما فأحبهما ، وأحب من يحبهما» .

وروى أبو محمد الرامهرمزي بسنده قال : حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق بن يحيى [ ص: 118 ] المرسي ، حدثنا أبو خالد يزيد بن خالد ، عن عبد الله بن وهب المصري ، حدثنا سروح بن شهاب ، عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين على ظهره ، وهو يقول : «نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما» .

وقال أبو محمد : هذا من مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي منقبة تفرد بها الحسن والحسين ، وتضمن من الفقه إطلاق تشبيه الإنسان بالبهيمة إذا شاركها في بعض فعلها .

وقال ابن عدي : حدثنا عمران بن موسى بن فضالة قال : حدثنا عيسى بن عبد الله بن سليمان قال : أخبرنا ابن شهاب عن سفيان الثوري عن أبي الزبير به .

التالي السابق


الخدمات العلمية