سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
[ ص: 144 ]

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في الاستئذان والسلام والمصافحة والمعانقة والتقبيل- زاده الله شرفا وفضلا لديه

الباب الأول في آدابه في الاستئذان

وفيه أنواع :

الأول : في أنه لم يكن يستقبل الباب بوجهه :

روى الإمام أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب عن عبد الله بن بسر المازني رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم يمشي مع الجدار ، ولم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ، ويقول : «السلام عليكم» ، فإن أذن له وإلا انصرف ، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور .

الثاني : في تعليمه من لا يحسن الاستئذان ، وكراهته قول المستأذن أنا فقط .

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن زيد بن حراش قال : جاء رجل من بني عامر فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في البيت فقال : أألج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه : «اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان ، فقل له : قل السلام عليكم أأدخل ؟ » فسمع الرجل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم أأدخل ؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل .

وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر دين كان على أبي ، فدفعت الباب فقال : «من ذا ؟ » فقلت : أنا ، فخرج وهو يقول : «أنا أنا» كأنه يكرهه .

وروى الترمذي- وحسنه- والنسائي عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبن وجذابة وضعابيس ، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي ، قال : فدخلت ولم أستأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ارجع فقل السلام عليكم أأدخل ؟ » .

الثالث : في إرادته صلى الله عليه وسلم فقأ عين من اطلع من خصاصة الباب من غير استئذان .

روى البخاري في الأدب عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن أعرابيا أتى بيت [ ص: 145 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتح من خصاصة الباب ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما أو عودا محددا فتوخى الأعرابي ليفقأ عين الأعرابي ، فذهب فقال : «أما إنك لو ثبت لفقأت عينك» .

وروى البخاري في الأدب عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن رجلا اطلع من جحر في باب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك» ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» .

الرابع : في كيفية استئذانه .

روي عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما قال : زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» ، فرد سعد ردا خفيا قال : فقلت : ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ذره يكثر علينا من السلام ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قضينا ما علينا» .

الخامس : في رجوعه إذا استأذن ثلاثا فلم يؤذن له .

روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أم طارق مولاة سعد رضي الله تعالى عنه قالت : جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فاستأذن فسكت سعد ، ثم أعاد فسكت سعد ، ثم أعاد فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فأرسلني سعد إليه وقال إنه لم يمنعنا أن نأذن لك إلا أردنا أن تزيد الحديث .

السادس : في قوله صلى الله عليه وسلم لبيك لمن استأذن عليه .

وروى أبو يعلى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، كل ذلك يرد عليه : «لبيك لبيك» .

التالي السابق


الخدمات العلمية