سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
[ ص: 152 ]

جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في جلوسه واتكائه وقيامه ومشيه

الباب الأول في آداب جلوسه واتكائه صلى الله عليه وسلم

وفيه أنواع :

النوع الأول : في جلوسه حيث انتهى به المجلس .

روى أبو نعيم رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى به المجلس جلس حيث انتهى به المجلس ، ويأمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .

النوع الثاني : في صفة جلسته واحتبائه وآدابه في ذلك

وفيه أنواع : .

الأول : في قعوده القرفصاء .

روى البخاري في الأدب وأبو يعلى عن قيلة- بفتح القاف وسكون المثناة التحتية بعدها لام- بنت مخرمة رضي الله تعالى عنها قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا القرفصاء .

وروى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس جلس القرفصاء .

الثاني : في تربعه .

روى البخاري في الأدب عن حنظلة بن خذيم رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته جالسا متربعا .

وروى ابن أبي شيبة عن جابر بن صخرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسنا .

الثالث : في احتبائه .

روى البخاري في الأدب عن سليم بن جابر الهجيمي رضي الله تعالى عنه قال : «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محتب في بردة فإن هدابها لعلى قدميه» الحديث .

وروى البخاري في الأدب والنسائي والبزار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن [ ص: 153 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوما المسجد ، وأنا معه ، فجلس فاحتبى الحديث .

وروى أبو داود والترمذي عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيديه ، زاد البزار ونصب ركبتيه .

وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا .

وروى الحسن بن سفيان عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتبي على ركبتيه ، وكان لا يتكئ .

وروى ابن عدي عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في مجلس احتبى بيديه .

وروى أبو نعيم عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس احتبى بيديه ، وقال بعض رواته بثوبه .

وروى الطبراني برجال ثقات غير أبي عروبة محمد بن موسى فيجر رجاله عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه الكعبة محتبيا بيديه .

الرابع : في رفعه بصره إلى السماء إذا جلس يتحدث .

روى البيهقي عن عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس كثيرا يتحدث رفع طرفه إلى السماء .

النوع الثالث : في اتكائه .

روى ابن سعد عن زر بن حبيش قال : جاء رجل من مراد يقال له صفوان بن عسال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على برد له أحمر .

وروى الدارمي والترمذي وصححه وأبو عوانة وابن حبان وابن سعد وابن عدي عن جابر ابن سمرة رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته متكئا على وسادة على يساره .

وروى أبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة فيها صور .

النوع الرابع : في توسده صلى الله عليه وسلم ببردته .

روى ابن أبي شيبة عن خباب رضي الله تعالى عنه قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة . الحديث .

الخامس : في جلوسه صلى الله عليه وسلم على شفير البئر ، وإدلائه رجليه في البئر ، وكشفه عن ساقيه . [ ص: 154 ]

وروى البخاري في الأدب عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى حائط من حوائط الحاجة وخرجت في أثره ، فلما دخل الحائط جلست على بابه ، وقلت لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى حاجته ، وجلس على قف البئر وكشف عن ساقيه ، وأدلاهما في البئر .

وروى الطبراني في الأوسط برجال موثقين عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأعواف وبلال معه ، فدلى رجليه في البئر وكشف عن فخذيه ، فجاء أبو بكر يستأذن ، فقال : يا بلال ائذن له ، وبشره بالجنة ، فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودلى رجليه في البئر ، وكشف عن فخذه ، ثم جاء عمر يستأذن ، فقال : يا بلال ائذن له ، وبشره بالجنة ، فدخل ، فجلس عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلى رجليه في البئر ، وكشف عن فخذه ، ثم جاء عثمان ، فقال : ائذن له يا بلال ، وبشره بالجنة ، على بلوى تصيبه ، فدخل عثمان فجلس ، فعدله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودلى رجليه في البئر وكشف عن فخذه .

السادس : في جلوسه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه .

روى ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : ما أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه بين يدي جليس له قط ، ولا يبادر يده أحد قط فيتركها حتى يكون هو يدعها ، وما جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد قط فقام حتى يقوم ، وما وجدت شيئا قط أطيب ريحا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

السابع في أين يجلس من أصحابه صلى الله عليه وسلم ؟ .

روى أبو الحسن بن الضحاك عن كعب بن زهير رضي الله تعالى عنه قال : كان يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه مكان المائدة من القوم حلقة ثم حلقة ، وهو في وسطهم ، فيقبل على هؤلاء فيحدثهم ، ثم على هؤلاء ، ثم على هؤلاء .

وروى النسائي عن أبي هريرة ، وأبي ذر رضي الله تعالى عنهما قالا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه فتجيء العرب فلا تدري أين هو ؟ حتى تسأل ، فطلبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعل له محلا فتعرفه العرب إذا رأوه ، فبنينا له دكانا من طين فكان يجلس عليه ، وكنا نجلس بجانبه سماطين .

وروى أبو الحسن بن الضحاك رضي الله تعالى عنه قال : كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله .

الثامن : في استلقائه صلى الله عليه وسلم .

روى الإمام أحمد عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله تعالى عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد ، واضعا إحدى رجليه على الأخرى . [ ص: 155 ]

التاسع : فيما كان يقوله في مجلسه .

روى الترمذي- وحسنه- وابن السني والحاكم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلسه حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه : اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا ، ومتعنا بأسماعنا وبأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا» .

التالي السابق


الخدمات العلمية