سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : اختلف في إنكار سيدنا جبريل الأكل متكئا فقال القاضي عياض في الشفاء رحمه الله تعالى : التمكن للأكل ، والتقعد للجلوس له كالتربع وشبهه من تمكن الجلسات التي يعتمد فيها الجالس على ما تحته قال : والجالس على هذه الهيئة يستدعي الأكل ويستكثر منه ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان جلوسه للأكل جلوس المستوفز مقعيا ، قال : وليس معنى الحديث في الاتكاء الميل على شق عند المحققين ، وبما فسر به الاتكاء حكاه في الإكمال عن الخطابي وقال : إنه خالف في هذا التأويل أكثر الناس ، وإنهم إنما حملوا الاتكاء على أنه الميل على أحد الجانبين انتهى ، وبهذا جزم ابن الجوزي رحمه الله تعالى ، وعبارة ابن الأثير : المتكئ في العربية كل من استوى قاعدا على وطاء متمكنا ، والعامة لم تعرف المتكئ إلا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه ، ثم قال : ومن فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوله على مذهب أهل الطب ، قال ابن القيم : وهو يضر بالآكل ، فإنه يمنع مجرى الطعام الطبيعي على هيئته ، ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة بضغط المعدة ، فلا تستحكم فتحها للغذاء ، وأما الاعتماد على الشيء فهو من جلوس الجبابرة المنافي للعبودية ، ولهذا

قال صلى الله عليه وسلم : «آكل كما يأكل العبد» ،

فإن كان المراد بالاتكاء الاعتماد على الوسائد والوطاء الذي تحت الجالس كما نقل عن الخطابي فيكون المعنى : أني إذا أكلت لم أقعد متكئا على الأوطئة والوسائد كفعل الجبابرة ، ومن يريد الإكثار من الأكل لكن آكل بلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا .

وفي حديث أنس رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم أكل تمرا وهو مقع ، وفي رواية وهو محتفز . رواه مسلم . والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن .

التالي السابق


الخدمات العلمية