سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
[ ص: 181 ] واختلف السلف رحمهم الله تعالى في كراهة الأكل متمكنا :

قال الخطابي : إذا ثبت كونه مكروها أي خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه ، أو يجلس وينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى ، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في الهدي : ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس متوركا على ركبتيه ، ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر اليمنى تواضعا لله تعالى ، وأدبا بين يديه ، قال : وهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقه الله تعالى عليه انتهى .

الثاني : قال ابن القيم : في كونه صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ، وهذا أنفع ما يكون في الأكلات فإن الأكل بالأصبع الواحدة من أكل التكبر ، ولا يستلذ به الآكل ولا يمريه ولا يسيغه إلا بعد طول ، ولا يفرج آلات الطعام والمعدة بما ينويها في كل أكلة ، فيأخذها على إغماض ، كما يأخذ الرجل حقه حبة حبة أو نحو ذلك ، فلا تلتذ بأخذه ، والأكل بالخمسة والراحة يوجب ازدرام الطعام على آلاته ، وعلى المعدة ، وربما اشتدت الآلات فمات ، وتغصب الآلات على دفعه ، والمعدة على احتماله ، ولا تجد له لذة ولا استمراء ، فأنفع الأكل أكله صلى الله عليه وسلم وأكل من اقتدى به بالأصابع الثلاث ، ولا عبرة بكراهة الجهال للعق الأصابع استقذارا ، نعم لو كان ذلك في أثناء الأكل فينبغي اجتنابه ، لأنه يعيد أصابعه ، وعليها أثر ريقه ، قلت : وهذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم ، ووقع عند سعيد بن منصور عن ابن شهاب مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل يأكل بخمس ، فيجمع بينه وبين ما تقدم باختلاف الحال .

الثالث : قول أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط : قال في زاد المعاد : كان صلى الله عليه وسلم لا يرد موجودا ، ولا يتكلف مفقودا ، وما قرب إليه شيء من الطعام إلا أكله ، إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم ، ولا عاب طعاما قط ، إن اشتهاه أكله ، وإلا تركه ، ولم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم حبس نفسه الشريفة على نوع واحد من الأغذية لا يتعداه إلى غيره ، فإن ذلك يضر بالطبيعة جدا ، ولو أنه أطيب ، بل كان صلى الله عليه وسلم يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله من اللحم والفاكهة والخبز والتمر كما سيأتي ، وكان صلى الله عليه وسلم يراعي صفات الأطعمة ، وطبائعه ، واستعماله على قاعدة الطب فإذا كان في أحد الطعامين ما يحتاج إلى كسر وتعديل كسره وعدله بضده إن أمكن ، كتعديله حرارة الرطب بالبطيخ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه ، ولم تكن لهم مناديل يمسحون بها أيديهم ، ولم تكن عادتهم غسل أيديهم كلما أكلوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية