سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثالث فيما أكله صلى الله عليه وسلم من لحوم الحيوانات

وفيه أنواع :

الأول : في أكله لحم الشاة وما كان يختاره من الأعضاء .

روى البخاري والترمذي في الشمائل- وصححه- ، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها .

وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي في الشمائل عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : كان أحب العراق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع ذراع الشاة ، وكان يعجبه الذراع .

وروى البزار برجال ثقات عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تذبح شاة فيقسمها بين الجيران قال : فوزعها بين الجيران ، ورفعت الذراع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أحب الشاة إليه الذراع ،

فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : ما بقي عندنا منها إلا الذراع ، قال : «بقي كلها إلا الذراع»
.

وروى الترمذي- وحسنه- عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان الذراع أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان لا يجد اللحم إلا غبا وكان يعجل إليه لأنه أعجله نضجا .

وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف .

وروى ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال : ما دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لحم قط إلا أجاب ، ولا أهدي له لحم إلا قبله .

وروى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم بقر فقيل : هذا ما تصدق به على بريرة فقال : «هو لها صدقة ولنا هدية» .

وروى عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بلحم فجعل القوم يلقمونه اللحم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أطيب اللحم لحم الظهر» . [ ص: 187 ]

وروى الحاكم والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال : قدمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عناقا فنظر إلي وقال : «قد علمت حبنا اللحم» .

وذكر الحديث .

وروى أبو نعيم عن أنس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما قالا : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراعان والكتف .

وروى الطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : كان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمها .

وروى الشيخان والحميدي عن عمر بن أمية أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده ، يأكل منها ، فدعي إلى الصلاة فألقاها ، وألقى السكين التي كان يحتز بها ، ثم قام فصلى ، ولم يتوضأ .

وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي عن ضبيعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنها ، أنها ذبحت في بيتها شاة ، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن أطعمينا من شاتكم ، فقالت للرسول : ما بقي عندنا إلا الرقبة ، وإني لأستحي أن أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرقبة ، فرجع الرسول فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «ارجع إليها فقل : أرسلي بها فإنها هادية الشاة ، وأقرب الشاة إلى الخير وأبعدها من الأذى» .

الثاني : في أكله صلى الله عليه وسلم القديد .

روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه ، فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرب إليه خبزا من شعير ، ومرقا فيه دباء وقديد .

وروى النسائي عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال : سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن لحوم الأضاحي ، قالت : كنا نخبئ الكراع لرسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا ثم يأكله .

وروى ابن ماجه عنها قالت : لقد كنا نرفع الكراع فيأكله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خمسة عشر يوما من الأضاحي .

وروى أبو الشيخ عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : أكلنا القديد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 188 ]

وروى الأربعة عن رجل قال : ذبحت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة ونحن مسافرون ، فقال : «أصلح لحمها ، فلم أزل أطعمه منه إلى المدينة» .

الثالث : في أكله صلى الله عليه وسلم الشواء .

روى الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي في الشمائل عن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله تعالى عنه قال : أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد لحما قد شوي ، فمسحنا أيدينا بالحصباء ، ثم قمنا نصلي ولم نتوضأ .

وروى أبو يعلى والنسائي في الكبرى عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال : أمر أبي بحريرة فصنعت ، ثم أمرني فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأتيته وهو في المسجد ، فقال لي : «ماذا معك يا جابر ؟ ألحم ذا ؟ » قلت : لا ، فأتيت أبي ، فقال : هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : نعم ، قال لي : يا جابر ألحم ذا ؟ قال : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون اشتهى اللحم ، قال : فأمر بشاة لنا داجن فذبحت ثم أمر بها فشويت ، ثم أمرني ، فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : «ماذا معك يا جابر ؟ » فأخبرته ، فقال : «جزى الله تعالى الأنصار عنا خيرا ولا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام ، وسعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما» .

وروى الشيخان والنسائي عن أبي رافع رضي الله تعالى عنه قال : أشهد لكنت أشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطن الشاة ، ثم صلى ولم يتوضأ .

وروى الترمذي- وحسنه- عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها قربت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه ، ثم قام إلى الصلاة وما توضأ .

وروى عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال : ضفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي ، وأخذ الشفرة فجعل يحز بها منه ، فجاء بلال رضي الله تعالى عنه فآذنه بالصلاة ، فألقى الشفرة وقال : «ما له تربت يداه» .

الرابع : في أكله صلى الله عليه وسلم لحم الجزور .

روى النسائي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : كان علي رضي الله تعالى عنه قدم بهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الهدي الذي قدم به صلى الله عليه وسلم ، وعلي رضي الله تعالى عنه من اليمن مائة بدنة ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ثلاثا وستين ، ونحر علي رضي الله تعالى عنه سبعا وثلاثين ، وأشرك عليا رضي الله تعالى عنه في بدنه ، ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلت في [ ص: 189 ] قدر فطبخت ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي رضي الله تعالى عنه من لحمها وشربا من مرقها .

الخامس : في أكله صلى الله عليه وسلم سمك البحر المالح .

روى الشيخان وابن أبي عمر عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : غزونا جيش الخبط وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه فجعنا جوعا شديدا فألقى لنا البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر ، فقال أبو عبيدة : كلوا منه فأكلنا وادهنا ، وأكلنا منه نصف شهر ، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته ، وكان يجلس النفر الخمسة في موقع عينيه ، فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : «كلو رزقا أخرجه الله تعالى لكم ، وأطعمونا ، إن كان معكم» ، فأتاه بعضهم بشيء فأكله .

وروى الدارقطني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : غزونا فجعنا حتى إنا لنقسم التمر التمرة والتمرتين ، فبينا نحن على شط البحر إذ رمى البحر بحوت ميتة ، فاقتطع الناس ما شاءوا من شحم لحم ، وهو مثل الظرب

فبلغني أن الناس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه فقال لهم : «معكم منه شيء ؟ » فقالوا : نعم ، فأعطوه منه فأكله .


السادس : في أكله صلى الله عليه وسلم الجراد .

روى الخمسة وأبو نعيم في الطب وابن حبان عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ست غزوات فكنا نأكل معه الجراد .

وروى أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثنني فألتقط لهن الجراد فيقلينه بالزيت ثم يطعمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

السابع : فيما جاء في لحم الفرس .

روى الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أنهم نحروا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فأكلنا نحن ، وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الثامن : في أكله صلى الله عليه وسلم لحم الدجاج .

روى الشيخان عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم الدجاج . [ ص: 190 ]

وروى ابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أياما ، ثم يأكلها بعد ذلك .

وروى أبو الحسن بن الضحاك عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل الدجاج حبسه ثلاثة أيام .

وروى الشيخان عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم الدجاج .

التاسع : في أكله صلى الله عليه وسلم لحم الحبارى .

روى أبو داود والترمذي والبيهقي والمحاملي وابن عدي عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى .

وروى الدارقطني في الأفراد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : بعثتني أمي أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطير مشوي ، ومعه أربعة أرغفة ، فأتيته به فقال : «يا أنس ادع لنا من يأكل معنا من هذا الطير» ،

فذكر الحديث ، ويأتي في مناقب علي رضي الله تعالى عنه ، قال أبو الحسن ابن الضحاك : قد ذكر عن أنس أن الطير كان حبارى مفسرا ولم يرد هنا مفسرا .

العاشر : في أكله صلى الله عليه وسلم الأرنب .

روى الستة عن أنس رضي الله تعالى عنه نفجنا أرنبا بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا ، فأدركتها فأخذتها ، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها بمروة وشويتها فبعث معي أبو طلحة بعجزها ، وفي لفظ بوركها ، وفي لفظ بفخذها ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها ، ولفظ البخاري- في الهبة- فأكلها . وفي لفظ : فأكله ، قيل له : أكله ؟ قال : «قبله» .

وروى الدارقطني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرنب وأنا نائمة ، فخبأ لي منها العجز ، فلما قمت أطعمني .

روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرنب وأنا جالس ، فلم يأكلها ، ولم ينه عنها ، وذكر أنها تحيض .

وروى ابن ماجه عن خزيمة بن جزء رضي الله تعالى عنه أنه قال : يا رسول الله ما تقول في الأرنب ؟ قال : «لا آكله ، ولا أحرمه» ، قلت : فإني آكل ما لم تحرم ، قلت : ولم يا رسول الله ؟ [ ص: 191 ] قال : «إن لها دما

وقال في زاد المعاد : » أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم الجزور ، والضأن ، والدجاج ، ولحم الحبارى ولحم حمار الوحش ، والأرنب ، وطعام البحر .

الحادي عشر : في أكله صلى الله عليه وسلم الحجل .

روى الترمذي والحاكم ، وصححه ، وابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل مشوي فقال : «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير» ، فجاء علي رضي الله تعالى عنه فأكل منه .

الثاني عشر : في أكله صلى الله عليه وسلم لحم شاة من الأروى .

روى أبو إسحاق المذكي في أماليه انتقاء الدارقطني عن حازم رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيد صدته : شاة من الأروى فأهديتها إليه فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل منها وكساني عمامة عدنية وقال لي : «ما اسمك ؟ » قلت : حازم ، قال : «لست بحازم ، ولكنك مطعم» .

الثالث عشر : في أكله صلى الله عليه وسلم لحم حمار الوحش .

روى البخاري عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال : كنت جالسا مع رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل بطريق مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا ، والقوم محرمون ، وأنا غير محرم ، فأبصروا حمارا وحشيا ، وأنا مشغول أخصف نعلي ، فلم يؤذنوني به ، وأحبوا لو أني أبصرته ، فالتفت فأبصرته ، فقمت إلى الفرس ، فأسرجته : ثم ركبت ونسيت السوط والرمح ، فقلت لهم : ناولوني السوط والرمح ، فقالوا : لا والله لا نعينك عليه بشيء ، فغضبت ، فنزلت ، فأخذتهما ، ثم ركبت وشددت على الحمار فعقرته ، ثم جئت به وقد مات ، فوقعوا فيه يأكلونه ، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهو حرم فرحنا ، وخبأت العضد معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،

فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألناه عن ذلك فقال : «معكم شيء ؟ » قلت : نعم ، فناولته العضد ، فأكلها حتى نفذها وهو محرم
.

الرابع عشر : في أكله صلى الله عليه وسلم المخ .

روى أبو بكر أحمد بن مروان المالكي الدينوري في المجالسة عن معن بن كثير عن أبيه أن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه- قال- أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة وجفنة مملوءة [ ص: 192 ] مخا ، فقال : «يا أبا ثابت ما هذا ؟ » فقال : والذي بعثك بالحق لقد نحرت وذبحت أربعين ذات كبد ، فأحببت أن أشبعك من المخ ، قال : فأكل ، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم ، بخير

قال إبراهيم بن حبيب : سمعت أن الخيزران حدثت بهذا الحديث ، فقسمت قسما من مالها على ولد سعد بن عبادة ، وقالت : أكافئ ولد سعد عن فعله برسول الله صلى الله عليه وسلم .


التالي السابق


الخدمات العلمية