سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثامن فيما كان صلى الله عليه وسلم يعافه من الأطعمة

وفيه أنواع :

الأول : فيما كرهه صلى الله عليه وسلم من الخضراوات .

روى الإمام أحمد ومسلم واللفظ له عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على مزرعة بصل بخيبر هو وأصحابه ، فنزل ناس منهم ، فأكلوا ، ولم يأكل آخرون ، فرجعنا إليه ، فدعا الذين لم يأكلوا ، وأخر الآخرين حتى ذهب ريحها وتجمعا .

وروى الدارقطني في «غرائب مالك» ، وابن عدي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الثوم ، ولا الكراث ، ولا البصل ، من أجل أن الملائكة عليهم السلام تأتيه ، ومن أجل أنه يكلم جبريل عليه السلام .

وروى ابن سعد عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه بطعام يعني حضره ، وفيه بصل وكراث ولم ير فيها أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى أن يأكله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أستحي من الملائكة وليس بمحرم» .

وروى عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أصاب منه ، ثم بعث به إلينا ، فبعث إلينا بطعام لم يصب منه فقلت إن لهذا الطعام لشأنا ، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : إنه لم يكن يأتينا من قبلك شيء إلا وقد أصبت منه ما شاء الله ، فقال : «إن هذه بقلة أكرهها ، ولكن كلوها» ، قال : إني أكره ما كرهت يعني الثوم .

وروى ابن سعد عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها ثوم ، فوجد ريح الثوم ، فكف يده ، وكف معاذ رضي الله تعالى عنه يده ، فكف القوم أيديهم ، فقال لهم : «ما لكم ؟ » فقالوا : كففت يدك ، فكففنا أيدينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كلوا باسم الله ، فإني أناجي ما لا تناجون» .

وروى ابن سعد عن عبد الله بن وهب قال : سمعت أبا صخر ، وعن يزيد بن قسيط قالا : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسويق لوز ، فلما خيض له قال : «ماذا ؟ » قالوا : سويق اللوز قال : «أخروه عني هذا شراب المترفين» . [ ص: 218 ]

الثاني : فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعافه من اللحوم .

روى الطبراني وابن عدي عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من الشاة سبعا : المرارة والمثانة والحياء والذكر والأنثيين والغدة والدم .

وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من الشاة سبعا : المرارة والمثانة والحياء والذكر والأنثيين والغدة والدم ، وكان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمها .

وروى ابن السني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الكليتين لمكانهما من البول .

وروى أبو الحسن بن الضحاك عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من لحوم الطير والوحش ما أكل الجيفة .

وروى مسدد برجال ثقات عن رجل من الأنصار رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل أدنى القلب .

وروى ابن أبي شيبة بسند ضعيف عن خزيمة بن جزء رضي الله تعالى عنه قال : قلت يا رسول الله جئتك أسألك عن أجناس الأرض فما تقول في الضب ؟ قال : «لا آكله ولا أحرمه» ، قلت : فإني آكل ما لم تحرم ، ولم يا رسول الله ؟ قال : «فقدت أمة من الأمم ، ورأيت خلقا رابني» قال : قلت يا رسول الله ما تقول في الأرنب ؟ قال : «لا آكله ولا أحرمه» ، قال : قلت يا رسول الله فإني آكل ما لم تحرم ، ولم يا رسول الله ؟ قال : «نبئت أنها تدمي»

الحديث .

وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : جيء بأرنب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا جالس عنده ، فلم يأكلها ، ولم ينه عن أكلها ، وقال : «إنها تحيض» .

وروى الإمام مالك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : دخلت أنا وخالد بن الوليد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة ، وكانت خالته ، فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال بعض النسوة في بيت ميمونة : أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه ، فقيل له : إنه ضب يا رسول الله ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ،

فقيل : أحرام هو يا [ ص: 219 ] رسول الله ؟ قال : «لا ، ذلك لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه» ،

فاجتره خالد فأكله ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر
.

وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم سمن وأقط وضب فأكل من السمن والأقط ، وقال : «الضب ، هذا شيء ما أكلته قط ، فمن أراد أن يأكله فليأكله» ، قال : فأكل على خوانه .

وروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أضب في جفنة ، وقد صب عليها سمن قال : «كلوا» ، ولم يأكل ، فقال : يا رسول الله أنأكل ، ولا تأكل ؟ قال : «إني أعافها» .

وروى الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح ، عن امرأة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فقال : «كلوه ، لا بأس به ، ولكنه ليس من طعام قومي» .

وروى قاسم بن أصبغ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ذات يوم ليت عندنا خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن فنأكلها ، فقام رجل فعملها ، ثم جاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «فيم كان سمنك ؟ » قال : في عكة ضب ، فعافه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروى الطبراني من طريقين عن ميمونة أنها أهدي لها ضب ، فأتاها رجلان من قومها ، فأمرت به فصنع ثم قربته إليهما ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يأكلان ، ثم أخذ ليأكل فلما أخذ اللقمة إلى فيه ، قال : «ما هذا ؟ » قلت : ضب أهدي لنا ، فوضع اللقمة ، وأراد الرجلان أن يطرحا ما في أفواههما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تفعلا ، إنكم أهل نجد تأكلونها وأما نحن أهل تهامة نعافها» .

وروى الشيخان والنسائي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب ، وهو على المنبر ، قال : «لا آكله ولا أحرمه» .

وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ، وخالد بن الوليد ، على ميمونة بنت الحارث فقالت : ألا أطعمكم من هدية أم عتيق ؟ فقال :

بلى قال فجيء بضبين مشويين فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال خالد رضي الله تعالى عنه : كأنك تقذره قال : «أجل»
. [ ص: 220 ]

وروى أيضا عن محمد بن سيرين رضي الله تعالى عنه قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فقال : «إنا قوم قرويون وإنا نعافه» .

التالي السابق


الخدمات العلمية