سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
[ ص: 221 ] جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في شربه وذكر مشروباته

الباب الأول فيما كان يستعذب له الماء ، وذكر الآبار التي شرب وبصق فيها ، ودعا فيها بالبركة صلى الله عليه وسلم

وفيه أنواع :

الأول : في أنه كان يستعذب له الماء .

روى الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان ، والحميدي والبزار عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقى له الماء العذب من بئر أو بيوت السقيا ، زاد فيه أبو داود : فقال قتيبة : وهي عين بينها وبين المدينة يومان ، وزاد ابن حبان وأبو الشيخ : والسقيا من أطراف الحرة عند أرض بني فلان .

وروى عن جعفر بن محمد قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له من بئر غرس ، ومنها غسل .

وروى ابن سعد ومحمد بن عمر الأسلمي عن سلمى امرأة أبي رافع قالت : كان أبو أيوب حين نزل عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له الماء من بئر مالك بن النضر والد أنس ، ثم كان أنس وهند وجارية أبناء أسماء يحملون الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السقيا ، وكان رباح الأسود مولاه يستسقي له من بئر غرس مرة وبيوت السقيا مرة .

وروى ابن سعد عن الهيثم بن نصر بن رهم الأسلمي قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولزمت بابه في قوم محاويج ، فكنت آتيه بالماء من جاسم بئر أبي الهيثم بن التيهان ، وكان ماؤها طيبا .

الثاني : في شربه من المطاهر .

وروى الطبراني بسند جيد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين .

الثالث : في الآبار التي شرب منها وبصق فيها ودعا فيها بالبركة . [ ص: 222 ]

جملة الآبار التي ورد فيها ذلك إحدى وعشرون .

الأولى : بئر أريس كجليس نسبة إلى رجل من يهود اسمه أريس ، وهو الفلاح بلغة أهل الشام قديما ، وهي في حديقة بالقرب من مسجد قباء .

وروى البيهقي من حديث إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد أنه حدثه أن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أتاهم بقباء فسأله عن بئر هناك ، فدللته عليها ، فقال : لقد كانت هذه ، وإن الرجل لينضح حماره فتنزح فيستخرجها له ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بذنوب للسقي فإما أن يكون توضأ منه أو تفل فيه ، ثم أمر به فأعيد في البئر فما نزحت بعد .

قال السيد السمهودي رحمه الله تعالى في تاريخه ولم يعد ابن شبة ولا ابن زبالة بئر [أريس من الآبار التي كانت يستسقي منها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذكرها] ابن شبة رحمه الله تعالى في حديقة عثمان ، وهذه البئر المعروفة اليوم تعد من أعذب آبار المدينة الشريفة . انتهى .

الثانية : بئر الأعواف إحدى الصدقات النبوية .

روى ابن شبة عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان قال : توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفة بئر الأعواف ، صدقته ، وسال الماء فيها ، ونبتت نابتة على أثر وضوئه ، ولم تزل فيها حتى الساعة ، قال السيد : قلت : والأعواف اليوم اسم لجزع كبير في قبلته المربوع ، وفي شامية خفافة ، وفيه آبار متعددة ، فلا يعرف البئر المذكورة منها ولم يذكر المطري ومن تبعه هذه البئر ، ولا الثلاثة بعدها لسكوت ابن النجار عنها .

الثالثة : بئر أنا بضم الهمزة ، وتخفيف النون كهنا ، وقيل : بالفتح وكسر النون المشددة بعدها مثناة تحتية ، وقيل : بالفتح والتشديد كحتى وضبطه في النهاية : بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة كحتى ، أو النون الخفيفة ، وذكره في القاموس أيضا ، وذكره ياقوت في المشترك له ، وقال : كذا هو مضبوط بخط ابن الحسين بن الفرات ، ثم قال : وذكر آخرون أنها بئر أنا بضم الهمزة والنون الخفيفة .

روى ابن زبالة عن عبد الحميد بن جعفر قال : ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبته حين حاصر بني قريظة على بئر أنا ، وصلى في المسجد الذي هناك وشرب من بئر [أنا] وربط دابته بالسدرة التي في أرض مريم ابنة عثمان . [ ص: 223 ]

قال ابن إسحاق : لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها ، وتلاحق الناس وهي بئر أنا .

وقال السيد رحمه الله تعالى : قلت : وهي غير معروفة اليوم ، وناحية بني قريظة عند مسجدهم .

الرابعة : بئر أنس بن مالك بن النضر وتضاف أيضا لأبيه رضي الله تعالى عنه .

وروى ابن سعد عن مروان بن سعد بن العلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب من بئر مالك بن النضر بن ضمضم ، وهي التي يقال لها : بئر أبي أنس .

وروى أيضا عن محمود بن الربيع أنه يعقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدلو من بئر أنس .

وروى ابن زبالة عن أنس رضي الله تعالى عنه بلفظ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى فنزع له دلو من بئر دار أنس ، فسكب على اللبن ، فأتي به فشرب ، وعمر بين يديه ، وأبو بكر عن يساره ، وأعرابي عن يمينه الحديث ، وهو في الصحيح عن أنس رضي الله تعالى عنه بلفظ : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا هذه فاستسقى ، فحلبنا له شاة لنا ثم شبته من بئرنا هذه ، فأعطيته الحديث .

وروى ابن شبة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من بئر أنس رضي الله تعالى عنه .

وروى أبو نعيم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بزق في بئر داره ، فلم تكن بالمدينة بئر أعذب منها ، قال : وكانوا إذا حوصروا استعذب لهم منها ، وكانت تسمى في الجاهلية البرود .

قال السيد وهي غير معروفة اليوم ، لكن تقدم عن ابن شبة في الأخبار أنه كان له شرب يخرج عند دار أنس بن مالك في بني جديلة .

الخامسة : بئر إهاب .

قال السيد : وفي نسخة عن ابن زبالة بئر ألهاب ، والأول هو الصواب الذي اعتمده المحب .

روى ابن زبالة عن محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بئر إهاب بالحرة وهي يومئذ لسعد بن عثمان فوجد ابنه عبادة بن سعد مربوطا بين القرنين يفتل ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يلبث سعد أن جاء ، فقال لابنه : هل جاءك أحد ؟ قال : نعم ، ووصف له صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحقه ، فخرج عبادة حتى لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس عبادة رضي الله تعالى عنه ، وبرك فيه . [ ص: 224 ]

فقال : فمات وهو ابن ثمانين ، وما شاب ، قال : وبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئرها .


قال المطري : إن ابن زبالة رحمه الله تعالى ذكر عدة آبار أتاها النبي صلى الله عليه وسلم ، وشرب منها ، وتوضأ لا يعرف الآن شيء منها .

قال : ومن جملة ما ذكر بئر بالحرة الغربية في آخر منزلة السقيا ، ومنها بئر أخرى ، [إذا] وقفت على جادة الطريق كانت السقيا على يسارك ، وهذه عن يمينك بعيدة عن الطريق في سند من الحرة ، قد حوط حولها بناء مجصص ، لم يزل أهل المدينة يتبركون بها ، ويشربون من مائها ، وينقل إلى الآفاق منها كما ينقل من ماء زمزم ، ويسمونها زمزم أيضا لبركتها ، ولم أعلم أحدا ذكر فيها أثرا يعتمد عليه .

السادسة : بئر البصة بضم الموحدة وبالصاد المهملة .

قال المجد اللغوي : إنها مشددة ، قال السيد رحمه الله تعالى : الدائر على ألسنة أهل البلد تخفيفها .

قال المجد رحمه الله تعالى كأنه من بص الماء بصا إذا رشح قال : وإن روي بالتخفيف فمن وبص يبص وبصا وبصة كوعد يعد وعدا أو عدة ، ومن وبص لي من المال أي أعطاني .

روى ابن زبالة ، وابن عدي من طريقه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال :

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الشهداء وأبناءهم ويتعاهد عيالاتهم ، قال :

فجاء يوما أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فقال : هل عندك من سدر أغسل به رأسي فإن اليوم الجمعة ؟ قال :

نعم ، فأخرج له سدرا ، وخرج معه إلى البصة ، فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ، وصب غسالة رأسه ومراقة شعره في البصة .


قال ابن النجار رحمه الله تعالى : وهذه البئر قريبة من البقيع على طريق الماضي إلى قباء .

السابعة : بئر بضاعة بضم الموحدة على المشهور ، وحكي كسرها ، وبفتح الضاد [ ص: 225 ] المعجمة ، وأهملها بعضهم ، وبالعين المهملة ثم هاء .

روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب من بئر بضاعة ، وبصق فيها وبرك فيها .

وروى ابن سعد عن محمد بن عمر الأسلمي قال : حدثني أبي عن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه ، قال : سمعت عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو أسيد وأبو حميد وسهل ابن سعد رضي الله تعالى عنهم يقولون : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بئر بضاعة فتوضأ في الدلو ، ورده في البئر ، ومج في الدلو مرة أخرى ، وبصق فيها وشرب من مائها ، وكان إذا مرض المريض في عهده يقول : اغسلوه من بضاعة ، فيغسل كأنما حل من عقال .

وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني برجال ثقات عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال : لو أني سقيتكم من بئر بضاعة لكرهتم ذلك ، قد- والله- سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مائها .

وروى الطبراني عنه رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في بئر بضاعة وبصق فيها .

وروى الطبراني برجال ثقات عن أبي أسيد الساعدي رضي الله تعالى عنه أن له بئرا بالمدينة يقال لها : بئر بضاعة ، قد بصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهي يتبرك بها ، ويتيمن بها ، وبئر جاسوم ، ويقال جاسم بالجيم والسين المهملة فيهما .

وروى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من جاسم بئر أبي الهيثم بن التيهان براتج .

وروى محمد بن عمر الواقدي عن الهيثم بن نصر الأسلمي رضي الله تعالى عنه ، قال :

خدمت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولزمت بابه ، فكنت آتيه بالماء من بئر جاسم ، وهي بئر أبي الهيثم بن التيهان ، وكان ماؤها طيبا .

الثامنة : بئر جمل بلفظ الجمل من الإبل .

قال المجد رحمه الله تعالى وهي بئر معروفة بناحية الجرف بآخر العقيق ، وعليها مال من أموال أهل المدينة ، يحتمل أنها سميت بجمل مات فيها ، أو برجل اسمه جمل حفرها .

قال السيد رحمه الله تعالى قلت : وهي غير معروفة اليوم ، ولم أر من سبق المجد بكونها بالجرف غير ياقوت ، وقوله : بآخر العقيق لم أره في السنن الصغرى للنسائي ، ويبعده ما رواه ابن زبالة عن عبد الله بن رواحة ، وأسامة بن زيد قالا : ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر جمل ، وذهبنا [ ص: 226 ]

معه ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل معه بلال ، فقلنا : لا نتوضأ حتى نسأل بلالا كيف توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسح على الخفين والخمار-
في صحيح البخاري حديث أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل ، فلقيه رجل مسلم عليه الحديث .

وفي رواية للدارقطني رحمه الله تعالى : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط ، فلقيه رجل عند بئر جمل ، وفي أخرى له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب نحو بئر جمل ليقضي حاجته ، فلقيه رجل ، وهو مقبل ، فسلم عليه ، وفي رواية للنسائي أقبل من نحو بئر جمل بالعقيق .

وقال المطري عقب ذكر الآبار التي اقتصر عليها ابن النجار ، ولم يعلم أنها ست والسابعة لا تعرف اليوم إلا ما يسمع من قول العامة إنها بئر جمل ، ولم يعلم أين هي ؟ ولا من ذكرها غير ما ورد في حديث البخاري رحمه الله تعالى ، وذكر ما تقدم .

التاسعة : بيرحاء بكسر الباء وفتحها ممدودا اسم لحديقة نخل بقرب المسجد كانت لأبي طلحة ، وقيل بفتح الموحدة والراء مقصورا والأول تصحيف ، وروي بضم الراء في الرفع ، وفتحها في النصب ، وكسرها في الجر ، على حسب العامل ، وكسر مرخما ، وجاء على هذا كما قيل : اسم رجل تنسب إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ، ويشرب من ماء فيها طيب .

قال أنس رضي الله تعالى عنه فلما نزلت هذه الآية قوله تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [آل عمران 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب مالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله عز وجل أرجو برها وذخرها عند الله تعالى ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله تعالى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بخ بخ ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» ، وفي رواية : «فقراء أقاربك» ، فقال أبو طلحة رضي الله تعالى عنه : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه ، وفي رواية فجعلها لحسان ، وأبي بن كعب .

العاشرة : بئر حلوة بالحاء المهملة لم يذكرها ابن النجار وذكرها ابن زبالة .

فروي عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر عن أبيه قال : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم جزورا فبعث إلى بعض نسائه منها بالكتف ، فتكلمن في ذلك بكلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«أنتن أهون على الله تعالى من ذلك» ، وهجرهن ،

وكان يقيل تحت أراكة على حلوة : بئر كانت في الزقاق الذي فيه دار آمنة بنت سعد ، وبه سمي الزقاق زقاق حلوة ، ويبيت في مشربة له ، فلما مضت تسع وعشرون ليلة

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها [ ص: 227 ]

فقالت : يا رسول الله إنك آليت شهرا قال : «إن الشهر يكون تسعا وعشرين» .


قال السيد : قلت : وهذه البئر غير معروفة اليوم بعينها .

الحادية عشرة : بئر ذرع بالذال المعجمة وهي بئر بني خطمة .

روى ابن زبالة حديث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني خطمة ، فصلى في بيت العجوز ، ثم خرج منه فصلى في مسجد بني خطمة ، ثم مضى إلى بئرهم ، ذرع ، فجلس في قفها ، فتوضأ وبصق فيها .

وروى ابن شبة عن الحارث بن الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من ذرع بئر بني خطمة التي بفناء مسجدهم ، وفي رواية فصلى في مسجدهم ، وفي رواية عن رجل من الأنصار رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق في بئر بني خطمة ، قال السيد رحمه الله تعالى : وهذه البئر غير معروفة اليوم .

الثانية عشرة : بئر رومة بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم بعدها هاء ، وقيل رؤمة بهمزة ساكنة بعد الراء .

وروى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من بئر رومة بالعقيق .

وروى ابن سعد عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر رومة ، وكانت لرجل من مزينة يسقي عليها بأجر ، فقال : «نعم صدقة المسلم هذه ، من رجل يبتاعها من المزني فيتصدق بها ؟ » فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه بأربعمائة دينار ، فتصدق بها ، فلما علق عليها العلق مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها ، فأخبر أن عثمان اشتراها وتصدق بها فقال : «اللهم أوجب له الجنة» ، ودعا بدلو من مائها فشرب منه ، وقال صلى الله عليه وسلم : «هذا المتاع أما إن هذه الوادي ستكثر مياهه ، وتعذب ، وبئر المزني أعذبها» .

وروى أيضا عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ببئر المزني ، وله خيمة إلى جنبها ، وجرة فيها ماء بارد ، فسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء باردا في الصيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هذا العذب الزلال» .

في أسانيد الجميع محمد بن عمر .

وروى البخاري عن عبد الرحمن السلمي أن عثمان رضي الله تعالى عنه حيث حوصر أشرف عليهم فقال : أنشدكم الله تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من حفر رومة فله الجنة» ،

فحفرتها
الحديث ، قال : وفيه فصدقوه بما قال ، وللنسائي من طريق الأحنف بن قيس أن الذين صدقوه بذلك سعد بن أبي وقاص وعلي بن أبي طالب وطلحة والزبير . [ ص: 228 ]

وبئر زمزم : على يمين السالك إلى العقيق سميت بذلك لبركتها ، ولم تزل أهل المدينة قديما وحديثا يتبركون بها ، ويشربون من مائها ، وينقل إلى الآفاق منها ، كما ينقل من زمزم بئر الحرم المكي .

الثالثة عشرة : بئر السقيا بسين مهملة مضمومة فقاف ساكنة فتحتية .

روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب منها .

وروى ابن شبة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقى له الماء العذب من بئر السقيا ، وفي رواية من بيوت السقيا ، رواه أبو داود بهذا اللفظ ، وسنده جيد ، وصححه الحاكم .

الرابعة عشرة : بئر العقبة بالعين المهملة ثم القاف قال المجد رحمه الله تعالى ذكرها رزين العبدري في آبار المدينة ، وقال : هي التي أدلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أرجلهم فيها ، ولم يعين لها موضعا ، والمعروف أن هذه القصة إنما كانت في بئر أريس ، قال السيد رحمه الله تعالى : والذي رأيته في كتاب رزين في تعداد الآبار المعروفة بالمدينة ما لفظه : وبئر أريس التي سقط فيها الخاتم ، وبئر العقبة التي أدلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر أرجلهم فيها انتهى ، قال : وقد قدمنا في بئر أريس ما يقتضي تعدد الواقعة .

الخامسة عشرة : بئر أبي عنبة بلفظ واحدة العنب .

قال ابن سيد الناس في خبر نقله عن ابن سعد في غزوة بدر ما لفظه : وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره على بئر أبي عنبة ، وهي على ميل من المدينة ، فعرض أصحابه ، ورد من استصغر ، ونقل الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى أنه عرض جيشه عند بئر أبي عنبة بالحرة فوق هذه البئر أي السقيا إلى الغرب ، ونقل أنها على ميل من المدينة ، قال السيد رحمه الله تعالى : قلت : ولعل العرض وقع أولا عند مرورهم بالسقيا ، ثم لما ضرب عسكره على هذه البئر أعاد العرض فرد من استصغر .

وقد روى ابن زبالة أن عمر وجدته اختصما إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني ويستسقي لي من بئر أبي عنبة ، فدل على أن الماء كان يستعذب منها ، قال المجد رحمه الله تعالى : وقد جاء ذكر هذه البئر في غير ما حدثت والله تعالى أعلم بالصواب .

السادسة عشرة : بئر العهن بكسر العين المهملة ، وسكون الهاء ونون .

لما ذكر المطري الآبار التي ذكرها ابن النجار ، وهي أريس والبصة وبضاعة ، ورومة [ ص: 229 ]

والغرس وبيرحاء قال : والسابعة لا تعرف اليوم ثم قال : رأيت حاشية بخط الشيخ أمين الدين ابن عساكر على نسخة من الدرر الثمينة في أخبار المدينة للشيخ محب الدين بن النجار ما مثاله : العدد يقتصر على المشهورة وبقيت بئر واحدة لأن المثبت ست ، والمشهور سبع ، والسابعة بئر العهن ، ولها اسم آخر مشهورة به ، قال المطري : عنبة ، وبئر العهن هذه بالعوالي وهي بئر مليحة جدا ، منقورة في الجبل ، ولا يكاد ينزف ماؤها ، قال السيد رحمه الله تعالى :

قلت : ولم يذكروا شيئا يتمسك به في فضلها ، ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن لم يزل الناس يتبركون بها ، والذي ظهر لي بعد التأمل أنها بئر اليسيرة الآتي ذكرها وأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليها ، وتوضأ منها ، وبصق فيها لأن اليسيرة بئر بني أمية من الأنصار عند منازلهم ، وبئر العهن عند منازلهم .

السابعة عشرة : بئر غرس بضم الغين المعجمة وبالراء والسين المهملة .

روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب منها وبرك فيها ، وقال : «هي عين من عيون الجنة» .

وروى أيضا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس على شفير بئر غرس : «رأيت الليلة أني جالس على عين من عيون الجنة» ، يعني هذه البئر .

وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بئر غرس من عيون الجنة» .

وروى أيضا عن عمر بن الحاكم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم البئر غرس ، هي من عيون الجنة ، وماؤها أطيب المياه» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له منها ، وغسل منها .

وروى أيضا عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء فانتهينا إلى بئر غرس ، وإنه ليستقى منها على حمار ، ثم يقوم عامة النهار ما يجد فيها ماء ، فتمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدلو ، ورده فيها ، فجاشت بالرواء . في أسانيده هذه كلها محمد بن عمر الأسلمي .

الثامنة عشرة : بئر القرضافة .

قال السيد رحمه الله تعالى : لعلها بالقاف والراء كما رأيت في بعض النسخ ، وفي بعضها بعين بدل القاف .

روى ابن زبالة عن جابر بن عبد الله أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرض على غرماء [ ص: 230 ]

أبيه القرضافة بما عليه من الدين فأبوا فقال : «دعهم حتى إذا كان جذاذها ، فجذها في أصولها ، ثم ائتني» ، فجاءه فأعلمه ، فخرج صلى الله عليه وسلم فبصق في بئرها ودعا الله تعالى أن يؤدي عن عبد الله ،


قال السيد : ويؤيده أن أصل حديث جابر في أرضه مذكور في الصحيح بطرق ، وفي بعضها :

وكانت لجابر البئر التي بطريق رومة ، وهذه الجهة بطريق رومة .

التاسعة عشرة : بئر القريصة بقاف وصاد مهملة مصغرة .

روى ابن زبالة عن سعد بن حرام ، والحارث بن عبيد قالا : توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بئر في القريصة ، بئر بني حارثة أي شرب منها وبصق فيها ، وسقط فيها خاتمه ، فنزع ، ثم روى عقبة سقوط الخاتم في بئر أريس .

العشرون : بئر اليسيرة من اليسر ضد العسر .

وروى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب من العسيرة بئر بني أمية بن زيد ، وقف على يسارها فبصق فيها ، وشرب منها ، وبارك فيها ، وسأل عن اسمها فقيل : العسيرة ، فسماها : اليسيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية