سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثالث في بعض مناماته صلى الله عليه وسلم

وروى أحمد بن منيع عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رأيتني أدخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي ، فقلت : ما هذا ؟ فقيل : هذا بلال ، فنظرت ، فإذا أعالي أهل الجنة فقراء المهاجرين ، وذراري المسلمين ، ولم أر أقل فيها من الأغنياء والنساء ، فقلت : ما لي لا أرى فيها أقل من الأغنياء والنساء ؟ فقيل لي : أما النساء فألهاهن الأحمران : الذهب والحرير ، وأما الأغنياء فهم ها هنا بالباب يحاسبون ، ويمحصون ، فخرجت من أحد أبواب الجنة الثمانية ، فجيء بكفة فوضعت فيها ، وجيء بجميع أمتي فوضعت في كفة فرجحتها ، ثم جيء بأبي بكر رضي الله تعالى عنه فوضع في كفة ، وجميع أمتي في كفة ، فرجحها أبو بكر ، ثم جيء بعمر رضي الله تعالى عنه فوضع فيها فرجحها ، فجعلت أمتي تمر علي أفواجا ، حتى استبطأت عبد الرحمن بن عوف ، فمر بي بعد الناس ، فقال : بأبي وأمي ، ما كدت أخلص إليك إلا من بعد المشاق ، فقلت : لم ذاك ؟ قال : من كثير مالي ، ما زلت أحاسب بعدك وأمحص» .

وروى عبد بن حميد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غدوة فقال : «رأيت قبل صلاة الصبح كأني أعطيت المقاليد والموازين فأما المقاليد :

فهذه المفاتيح ، وأما الموازين : فهي التي يوزن بها ، فوضعت في إحدى الكفتين ، ووضعت أمتي في الأخرى ، فوزنتهم ورجحتهم ، ثم جيء بأبي بكر ، فوزن ، فوزنهم ، ثم جيء بعمر ، فوزن ، فوزنهم ، ثم جيء بعثمان فوزن ، فوزنهم ، ثم استيقظت فرفعت» .


وروى أبو يعلى والبزار عن أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «بينا أن أنزع الليلة إذ وردت علي غنم سود وعفر ، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا ، أو ذنوبين فيهما ضعف ، والله تعالى يغفر له ، ثم عمر فاستحالت غربا تملأ الحياض ، وأروى الواردة ، فلم أر عبقريا من الناس أحسن نزعا منه ، فأولت الغنم السود : بالعرب والعفر : بالعجم» .

وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «رأيت كأني في درع حصينة ، ورأيت بقرا تنحر ، فأولت الدرع : بالمدينة والبقر بقر والله خير الحديث» . [ ص: 265 ]

وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا ، وكأن مقبض سيفي انكسر ، فأولت أني أقتل صاحب الكتيبة ، وأولت» قال عفان كان بعد هذا شيء لا يدري ما هو .

وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن بني الحكم ينزون على منبره فأصبح كالمتغيظ ، وقال : «ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو الغدرة» قال : فما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا بعد ذلك حتى مات .

وروى الطبراني في الكبير برجال الصحيح ، والبيهقي في كتاب عذاب القبر ، والأصبهاني في الترغيب عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح فقال : «إني رأيت رؤيا هي حق تعقلونها ، أتاني جبريل عليه السلام ، فأخذ بيدي ، فاستتبعني حتى أتى بي جبلا طويلا وعرا ، فقال لي : ارق ، فقلت : لا أستطيع ، فقال :

سأسهله لك ، فجعلت كلما رقت قدمي وضعتها على درجة ، حتى استوينا ، على سواء الجبل ، فانطلقنا ، فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم ، فقلت : من هؤلاء قال : هؤلاء الذين يقولون ما لا يعلمون ، ثم انطلقنا ، فإذا نحن برجال ونساء ممدودة أعينهم وآذانهم ، قلت : ما هؤلاء ؟ قال :

الذي يرون أعينهم ما لا يرون ، ويسمعون آذانهم ما لا يسمعون ، ثم انطلقنا . فإذا نحن بنساء معلقات بعراقيبهن ، مصوبة رؤوسهن ، تنهش أثداءهن الحيات ، فقلت : ما هؤلاء ؟ قال : الذين يمنعن أولادهم من ألبانهن ، ثم انطلقنا ، فإذا نحن برجال ونساء معلقات بعراقيبهن ، مصوبات رؤوسهن ، يلحسن من ماء قليل وحمأة قلت : ما هؤلاء ؟ قال : الذين يصومون ويفطرون قبل تحلة صومهم ، ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء أقبح شيء منظرا وأقبحه لبوسا ، وأنتنه ريحا كأنما ريحهم المراحيض ، قلت : ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الزانون والزناة ، ثم انطلقنا ، فإذا نحن بموتى أشد شيء انتفاخا وأنتنه ريحا ، قلت : ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء موتى الكفار ، ثم انطلقنا ، فإذا نحن نرى دخانا ، ونسمع عواء ، قلت : ما هذا ؟ قال : هذه جهنم ، فدعها ، ثم انطلقنا ، فإذا نحن برجال نيام تحت ظلال الشجرة ، قلت : ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء موتى المسلمين ، ثم انطلقنا ، فإذا نحن بجوار وغلمان أحسن شيء وجها ، وأحسنه لبوسا ، وأطيبه ريحا ، كأن وجوههم القراطيس ، قلت ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون ، ثم انطلقنا ، فإذا نحن بثلاثة نفر [ ص: 266 ] يشربون خمرا ، ويلعبون ، فقلت : ما هؤلاء ؟ فقال : ذاك زيد بن حارثة ، وجعفر ، وابن رواحة ، فملت قبلهم ، فقالوا : قدنا لك ، قدنا لك ، ثم رفعت رأسي ، فإذا ثلاثة نفر تحت العرش قلت : ما هؤلاء ؟ قال : ذاك أبوك إبراهيم ، وموسى ، وعيسى عليهم السلام ، وهم ينتظرونك صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»
.

وروى ابن عدي عن بكر بن سعيد بن قيس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لن يدخل النار من يراني في المنام» .

وروى الحارث مرسلا برجال ثقات عن أبي مجلز رحمه الله تعالى قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت في المنام أن رأسي قطع ، وأني جعلت أنظر إليه ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : «بأي عين كنت تنظر إلى رأسك إذا قطع ؟ » فلم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا قليلا حتى توفي ، قال : فأولوا قطع رأسه بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونظره باتباع سنته .

وروى الطيالسي وأبو داود السجستاني والترمذي عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا الصالحة ، ويسأل عنها فقال رجل : يا رسول الله ، رأيت رؤيا ، رأيت كأن ميزانا دلي من السماء ، فوزنت أنت بأبي بكر ، فرجحت ، ثم وزن أبو بكر بعمر ، فوزن أبو بكر عمر ، ثم وزن عمر بعثمان ، فرجع عثمان ، ثم رفع الميزان فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : «خلافة نبوية ، ثم يؤتي الله تعالى الملك من يشاء» .

وروى البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة : «إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما ابتعثاني ، وإنهما قالا لي : انطلق ، وإني انطلقت معهما ، وإنا أتينا على رجل مضطجع ، وإذا آخر قائم عليه بصخرة ، وإذا هو يهوي الصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده ها هنا ، فيتبع الحجر ، فيأخذه ، فما يرجع إليه حتى يصبح رأسه كما كان ، ثم يعود عليه ليفعل به مثل ما فعل المرة الأولى قال : قلت لهما : سبحان الله ، ما هذا ؟ قالا لي :

انطلق ، فانطلقنا ، فأتينا على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم على رأسه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينيه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصبح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل به في المرة الأولى قال :

قلت سبحان الله! ما هذا ؟ قالا لي : انطلق ، انطلق ، فانطلقنا ، فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط [ ص: 267 ] وأصوات ، قال : فاطلعنا فيه ، فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضؤوا قال : قلت : ما هؤلاء ؟ قال : انطلق ، انطلق ، فانطلقنا ، فأتينا على نهر أحمر مثل الدم ، وإذا في النهر رجل سابح يسبح ما سبح ، ثم يأتي الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه ، فيلقمه حجرا ، فينطلق يسبح ، ثم يرجع إليه ، كلما رجع فغر له فاه . .

فألقمه حجرا ، قلت : ما هذان ؟ قالا لي : انطلق ، انطلق ، فانطلقنا ، فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء ، وإذا هو عنده نار له يحشها ، ويسعى حولها ، قلت لهما : ما هذا ؟ قالا لي :

انطلق ، فانطلقنا ، فأتينا على روضة معتمة ، فيها من كل نور الربيع ، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل ، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء ، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط ، قالا لي : انطلق ، فانطلقنا ، فانتهينا إلى روضة عظيمة ، لم أر روضة قط أعظم منها ، ولا أحسن ، قالا لي : ارق فيها ، فارتقينا فيها ، فانتهينا إلى مدينة بلبن من ذهب ، ولبن من فضة ، فأتينا باب المدينة ، فاستفتحنا ، ففتح لنا ، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء ، وشطر كأقبح ما أنت راء ، قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر ، فإذا نهر معترض يجري ، كأن ماءه المحض في البياض ، فذهبوا فوقعوا فيه ، ثم رجعوا إلينا ، قد ذهب السوء عنهم ، فصاروا في أحسن صورة ، قالا لي : هذه جنة عدن ، وهذاك منزلك ، فسما بصري صعدا ، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء ، قالا لي : هذاك منزلك ، قلت لهما : بارك الله تعالى فيكما ، دعاني فأدخله ، قالا :

أما الآن فلا ، وأنت داخله ، قلت لهما : فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا ، فما هذا الذي رأيت ؟

قالا لي : أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر ، فإنه الرجل الذي يأخذ القرآن فيرفضه ، وينام عن الصلاة المكتوبة ، يفعل به إلى يوم القيامة ، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه ، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ، فيصنع به إلى يوم القيامة ، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني ، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ، ويأكل الحجارة ، فإنه آكل الربا ، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يحشها فإنه مالك خازن النار ، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة ، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم قبيح ، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا ، وآخر سيئا ، فجاوز الله عنهم ، وأنا جبريل وأنا ميكائيل عليهما السلام»
.

التالي السابق


الخدمات العلمية