سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السادس في لبسه صلى الله عليه وسلم الجبة وفيه نوعان :

الأول : في لبسه صلى الله عليه وسلم الجبة الرومية الضيقة الكمين في السفر .

روى ابن سعد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم وعليه جبة شامية ضيقة الكمين .

وروى ابن ماجه عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة رومية من صوف ضيقة الكمين فصلى بنا فيها ، ليس عليه شيء غيرها .

وروى الإمام أحمد ، والشيخان ، وابن عساكر عن المغيرة بن شعبة ، رضي الله تعالى عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل وجهه ، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه ، وعليه جبة شامية ، وفي لفظ : رومية ، ضيقة الكمين فذهب ليخرج يده من كمها ، فضاقت فأخرج يده من أسفلها .

وروى أبو الشيخ عن دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من الشام .

وروى أبو يعلى - برجال ثقات - عن عمر رضي الله تعالى عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه جبة شامية ، مفترق خصرها .

الثاني : في لبسه صلى الله عليه وسلم الجبة غير الرومية .

روى مسلم والنسائي وابن سعد ، عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم قال : أخرجت إلينا أسماء جبة من طيالسة لها لبنة من ديباج كسرواني وفي لفظ كسروانية وفروجها مكفوفة به ، وفي لفظ وفرجاها مكطوفان بالديباج فقالت : هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يلبسها ، فلما توفي كانت عند عائشة ، فلما توفيت عائشة قبضتها ، نحن نغسلها للمريض منا إذا اشتكى ، وفي لفظ للمرض ، ونستشفي بها .

وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أسماء رضي الله تعالى عنها قالت : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة طيالسة مكفوفة بالديباج ، فكان يلقى فيها العدو .

وروى ابن أبي شيبة عن المغيرة بن زياد مولى أسماء قالت : رأيت ابن عمر رضي الله [ ص: 298 ] تعالى عنهما اشترى عمامة لها علم ، فدعا بالجلمين فقصه ، فدخلت على أسماء ، فذكرت ذلك لها فقالت : بؤسا لعبد الله ، يا جارية هاتي جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيب والفرج بالديباج .

وروى أيضا عن ابن عمر أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها أخرجت جبة مزررة بالديباج ، فقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس هذه إذا لقي العدو .

وروى أبو القاسم البغوي ، وابن عساكر ، وأبو الحسن بن الضحاك عن طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله تعالى عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز وعليه جبة حمراء .

وروى أبو داود الطيالسي عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف في الحياكة .

وروى أبو الشيخ عنه قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من صوف أنمار فلبسها ، فما أعجب بثوب ما أعجب به ، فجعل يمسه بيده ويقول : «انظروا ما أحسنه ! » وفي القوم أعرابي فقال : يا رسول الله هبها لي ، فخلعها ، فدفعها في يده .

وروى النسائي ، وأبو سعيد بن الأعرابي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له أكيدر دومة جبة من سندس منسوج فيها الذهب ، فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعجب الناس منها فقال : «أتعجبون من هذه ؟ فوالذي نفسي بيده لمناديل سعد ابن معاذ في الجنة أحسن منها » ، وأهداها إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال : يا رسول الله أتكرهها وألبسها ، فقال : «يا عمر إنما أرسلت بها لتبيعها » وذلك قبل أن ينهي عن الحرير .

وروى ابن سعد عن علي بن زيد بن جدعان عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس فلبسها ، فكأني أنظر إلى يديها متدليتين من طولهما ، فجعل القوم يقولون : يا رسول الله أنزلت عليك من السماء ؟ فقال : «وما تعجبون منها ؟ فوالذي نفسي بيده إن منديلا من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها » ، ثم بعث بها إلى جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فلبسها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني لم أعطكها لتلبسها » ، قال : فما أصنع ؟ قال : «ابعث بها إلى أخيك النجاشي » .

وروى ابن قانع عن داود بن داود أن قيصر أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس ، فاستشار أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقالا : يا رسول الله ، نرى أن تلبسها ، يكبت الله بها عدوك ، ويسر المسلمين ، فلبسها ، وصعد المنبر فخطب ، وكان جميلا يتلألأ وجهه فيها ، ثم نزل فخلعها ، فلما قدم عليه جعفر وهبها له .

[ ص: 299 ] وروى الطبراني عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة من سندس ، فما رأيناه منذ زمان أحمد منه في ذلك اليوم ، فقام فنزعها ، ثم خرج في برد حبرة فقال : «الحرير لباس أهل الجنة ، فمن لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة » .

وروى الإمام أحمد - بسند جيد - عن جابر رضي الله تعالى عنه : أن راهبا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة سندس فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتى البيت فوضعها ، وأحس بوفد ، فأمر عمر رضي الله تعالى عنه أن يلبسها لقدوم الوفد فقال : «لا يصلح لنا لباسها في الدنيا ، وتصلح لنا في الآخرة » الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية