سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : قال العراقي لم ينقل كيف كانت صفة الخاتم أمربعا أم مثلثا أم مدورا ؟ إلا أن التربيع أقرب إلى النقش فيه ، وحميد الراوي للحديث سئل عن ذلك ، فلم يدر كيف كان ، رواه أبو الشيخ في الأخلاق النبوية .

الثاني : ما روى ابن سعد عن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي حدثنا عطاف بن خالد عن عبد الأعلى بن أبي فروة عن سعيد بن المسيب قال : ما تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عمر حتى لقي الله تعالى .

وروى البزار والطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ، ولا عمر ، يلبسون خواتيمهم حتى قدم أبان على عمر رضي الله عنه بعد أن كانوا يتخذونها ، ولا يلبسونها - رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة .

قال أبو الحسن الهيثمي : وهو وإن كان حسن الحديث ما يحتمل هذا منه ، كما خالف فيه الأثبات الذين رووا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الخاتم .

وروى الطبراني برجال الصحيح غير ابن لهيعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أبو بكر ولا عمر يلبسون الخواتم ، ولا يطبعون كتابا حتى كتب زياد بن أبي سفيان إلى عمر : إنك تكتب إلينا بأشياء ما نجد لها طوابع ، فاتخذ عند ذلك خاتما [ ص: 335 ] فطبع به . قال الهيثمي : وهو مخالف للأحاديث الصحيحة .

الثالث : قال بعض العلماء : كان في خاتمه صلى الله عليه وسلم من السر شيء ، كما كان في خاتم سليمان عليه السلام ، لما فقد خاتمه ذهب ملكه ، وعثمان رضي الله تعالى عنه لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر ، وخرج عليه الخارجون ، وكان ذلك ابتداء الفتنة التي أفضت إلى قتله ، واتصلت إلى آخر الزمان .

الرابع : قال الحافظ : ونسبة سقوط الخاتم من عثمان رضي الله تعالى عنه مجازية ، وإنما سقط من يد معيقيب فقد أخرج النسائي عن نافع ، وقال فيه : وكان في يد عثمان ست سنين من عمله ، فلما كثر عليه الفتن دفعه إلى رجل من الأنصار ، كان يختتم به ، فخرج الأنصاري إلى قليب لعثمان فسقط منه فلم يوجد ، وفي رواية أيوب بن موسى عن نافع عنه قال : وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس .

الخامس : قال الحافظ : في كون نقش الخاتم ثلاثة أسطر كما تقدم ، ظاهره أنه لم يكن فيه زيادة على ذلك ، وأنه على هذا الترتيب لكن لم تكن كتابته على الترتيب العادي ، فإن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به يقتضي أن تكون الأحرف المنقوشة ملوية ليطبع الختم مستويا ، وأما قول بعض الشيوخ : إن كتابته كانت من فوق ، يعني الجلالة أعلى الأسطر الثلاثة ، ومحمد أسفلها ، فلم أر التصريح بذلك من شيء من الأحاديث ، بل رواية الإسماعيلي يخالف ظاهرها ذلك ، فإنه قال : محمد سطر ، والسطر الثاني رسول والثالث الله .

السادس : قال الحافظ : لا تعارض بين حديث الخاتم الذي فصه حبشي ، والخاتم الذي فصه منه لأنه إما أن يحمل على التعدد ، وحينئذ فمعنى قوله : حبشي أي كان حجرا من بلاد الحبشة أو على لون الحبشة أو كان جزعا أو عقيقا لأن ذلك يؤتى به من بلاد الحبشة ، ويحتمل أن يكون فصه منه ، ونسب إلى الحبشة لصفة فيه ، إما الصناعة وإما النقش ، قلت : والأول أظهر ، والله تعالى أعلم ، لما قال البيهقي : هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان له خاتمان ، أحدهما فصه حبشي ، والآخر فصه منه ، إن كان الزهري حفظ حديث من ورق ، والأشبه بسائر الروايات أن الذي كان فصه حبشيا هو الخاتم الذي اتخذه من ذهب ، ثم طرحه ، واتخذ خاتما من ورق انتهى ، وذكر أنه لا يسمى خاتما إلا إذا كان له فص ، فإن كان بلا فص فهو حلقة ، والفص : مثلث الفاء كما ذكره ابن مالك رحمه الله تعالى في مثلثه .

السابع : ما رواه الأربعة وصححه ابن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وأخرجه الضياء في المختارة برجال الصحيح إلا عبد الله بن مسلم المعروف بأبي طيبة قال الحافظ في التقريب : صدوق اتهم ، وعلى كل حال فالحديث حسن كما أشار إليه الحافظ في فتاويه عن [ ص: 336 ] بريدة بن الحصيب ، واللفظ للأربعة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاتم مشبه فقال : «ما لي أرى عليك ريح الأصنام ؟ » فطرحه ، ثم جاء ، وعليه خاتم من حديد ، فقال : «ما لي أرى عليك حلية أهل النار ؟ فقال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه ؟ قال : «اتخذه من ورق ، ولا تتمه مثقالا فإن كان محفوظا حمل المنع على ما كان جديدا صرفا » .

وقد قال التيفاشي في كتاب الأحجار : خاتم الفولاذ مطردة للشياطين إذا كان عليه فضة ، فهذا يؤيد المغايرة في الحكم ، والأصل في النهي كونه للتحريم ، لأن الأصل في استعمال الفضة للرجال التحريم ، إلا ما رخص فيه ، فإذا حد فيه حد وجب الوقوف عنده ، وبقي ما عداه على الأصلي لكن قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي إن النهي في قوله : ولا تتمه مثقالا محمول على التنزيه ، فيكره أن يبلغ به وزن مثقال ، قال وفي رواية أبي داود عن الخطابي : ولا تتمه مثقالا ، ولا قيمة مثقال أولت هذه الزيادة أنه ربما وصف الخاتم بالنفاسة في صنعته إلا أن تكون قيمته قيمة مثقال فهو داخل في النهي أيضا انتهى .

وأفتى شيخ الإسلام سراج الدين العبادي بأنه يجوز أن يبلغ به مثقالا ، وإن ما زاد عليه حرام ، وظاهر صنيع الشيخ سراج الدين بن الملقن في شرح المنهاج يقتضيه .

وقال الأزرقي : لم يتعرض أصحابنا رحمهم الله تعالى لمقدار الخاتم ، ولعلهم اكتفوا بالعرف فما خرج عنه كان إسرافا ، والصواب الضبط بما نص عليه في الحديث وليس في كلامهم ما يخالفه ، وقال ابن العماد في التعقبات : وإذا جاز لبس الخاتم فشرطه أن لا يبلغ به مثقالا انتهى .

[ ص: 337 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية