سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثاني في حصيره ، وفراشه ، ولحافه ، ووسادته ، وقطيفته ، وبساطه ، ونطعه صلى الله عليه وسلم

روى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجز حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار ، فيجلس عليه .

وروى ابن المبارك في الزهد عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر الحصير بجلده ، فلما استيقظ جعلت أمسح عنه وأقول : يا رسول الله ألا أخبرتنا قبل أن تنام على هذا الحصير نبسط لك شيئا يقيك منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما لي وللدنيا ، ما أنا إلا كراكب استظل تحت ، أو في ظل شجرة ، ثم راح وتركها » .

وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : دخل عمر بن الخطاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو نائم على حصير ، فأثر في جنبه ، فقال : يا رسول الله ، لو اتخذت فراشا أوثر من هذا ، فقال : «ما لي وللدنيا ، والذي نفسي بيده ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة ، ثم راح وتركها » ، تقدم في باب زهده بطرقه .

وروى سعيد بن منصور عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم رثا غليظا ، فأردت أن أجعل له فراشا آخر ليكون أوطأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلته ، فجاء فقال : «ما هذا يا عائشة ؟ » قلت : يا رسول الله رأيت فراشك رثا غليظا فأردت أن يكون هذا أوطأ لك ، فقال : «أخريه اثنتين ، والله لا أقعد عليه حتى ترفعيه » قالت : فرفعت الأعلى الذي صنعت .

وروى أبو بكر البزار عنها قالت : ما رأيت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بكيت ، أو ما كان إلا أدما حشوه ليف .

وروى مسلم وأبو مسلم الكجي ، والبرقاني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قالت : كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه من أدم ، حشوه ليف .

وروى أبو داود بلفظ : كانت ضجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم ، حشوها ليف .

وروى ابن سعد وأبو الشيخ والحسن بن عرفة عنها قالت : دخلت علي امرأة من الأنصار ، فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية ، فانطلقت ، فبعثت إلي فراشا حشوه الصوف [ ص: 357 ] فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «ما هذا يا عائشة ؟ » قلت : إن فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك ، فذهبت فبعثت إلي بهذا فقال : «رديه » فلم أرده ، وأعجبني أن يكون في بيتي ، حتى قال لي ذلك ثلاث مرات ، فقال : «رديه يا عائشة ، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة » ، قالت فرددته .

وروى ابن عدي عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم بارد في حاجة ، فجئت ، ومعه بعض نسائه في لحاف ، فأدخلني في لحافه .

وروي عن أبي قلابة عن بعض آل أم سلمة قال : كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا مما يوضع للإنسان في قبره ، وكان المسجد عند رأسه .

وروى أبو بشر الدولابي وابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه بالليل وسادة من أدم ، حشوها ليف .

وروى أبو بشر الدولابي وأبو الشيخ وغيرهما عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم ، وقال : «اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة » .

وروى أبو نعيم عن أبي ذر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما قال : إنا لجلوس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه ، إذ أقبل رجل من أحسن الناس وجها ، وأطيب الناس ريحا ، وأنقى الناس ثيابا ، كأن ثيابه لم تدنس ، حتى سلم من طرف البساط ، فقال : السلام عليك يا محمد فرد عليه السلام ، وذكر الحديث في مجيء جبريل عليه السلام .

وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أنس رضي الله تعالى عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع على نطع فعرق ، فقامت أم سليم فصنعته ، فجعلته في قارورة ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «ما هذا الذي تصنعين يا أم سليم ؟ » قالت : أجعل عرقك في طيبي ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروى أيضا عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : جاء رجل من مراد يقال له صفوان ابن عساكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على بردعة حمراء في المسجد - الحديث .

وروى ابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كانت وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتكئ عليها من أدم ، حشوها ليف .

وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد ، وذكر الحديث ، وفيه قام بي حتى أتى داره ، فألقت وليدة له وسادة ، فجلس عليها ، وجلست بين يديه .

[ ص: 358 ] وروى أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : دخل سلمان على عمر رضي الله تعالى عنهما ، وهو متكئ على وسادة ، فألقاها له فقال سلمان : الله أكبر صدق الله ورسوله فقال عمر : حدثنا يا أبا عبد الله قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على وسادة ، فألقاها إلي ، ثم قال : «يا سلمان ما من مسلم يدخل على أخيه المسلم فيلقي له وسادة إكراما له إلا غفر الله له » .

وروى عبد بن حميد وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : إنه استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فدخلت وإنه لعلى خصفة مضطجع ، وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا ، وإن فوق رأسه لإهاب - الحديث .

وروى الإمام أحمد عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فرأيته متكئا على وسادة .

وروى عنه أيضا قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته متكئا على مرقعة .

وروى أبو الشيخ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف .

وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو على حصير قد أثر في جنبه ، وإذا تحت رأسه مرقعة من أدم حشوها ليف ، وتقدم في صفة جلسته أحاديث فلتراجع .

وروى أبو الشيخ عن الربيع بن زياد أن عمر بن الخطاب قال لحفصة : أخبريني بألين فراش فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كان لنا كساء من هذه المائدة أصبناه يوم خيبر ، فكنت أفرشه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة فينام ، وإني ثنيته له ذات ليلة فلما أصبح قال : «ما كان فراش البارحة ؟ » قلت : فراشك كل ليلة ، إلا أني ثنيته الليلة قال : «أعيديه لحالته الأولى فإنه منعني وطاءته البارحة من الصلاة » فأرسل عمر عينيه بالبكاء .

وروى الترمذي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : سألت عائشة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك ؟ قالت : من أدم حشوه ليف ، وسألت حفصة : ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : مسح ثنيته ثنيتين ، فينام عليه ، فلما كان ذات ليلة قلت : لو ثنيته له بأربع كان أوطأ له ، فثنيته بأربع ثنيات ، فلما أصبح قال : «ما فرشتم لي الليلة ؟ » قلنا : هو فراشك إلا أنا ثنيناه لأربع ثنيات ، قلنا هو أوطأ لك قال : «ردوه لحاله الأولى ، فإنه منعني وطاءته صلاتي الليلة » .

وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تفرش للنبي صلى الله عليه وسلم عباءة [ ص: 359 ] باثنتين ، فجاء ليلة وقد ربعتها فنام عليها ، فقال : «يا عائشة مال فراشي الليلة ليس كما يكون ؟ » قلت : يا رسول الله أربعتها لك قال : «فأعيديه كما كان » .

وروى أبو يعلى عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه طرف اللحاف ، وعلى عائشة طرفه .

وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه بات عند خالته ميمونة فجاءت بكساء فطرحته ، وفرشته للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم جاءت ميمونة بخرقة عند رأس الفراش ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد صلى العشاء الآخرة ، فانتهى إلى الفراش ، فأخذ الخرقة التي عند رأس الفراش فأتزر بها ، وخلع ثوبه ، فعلقها ، ثم دخل معها في لحافها .

وروى الطبراني عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بساط يسمى الكن .

وروى عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له بساط يسمى الكن ، وكانت له عباءة تسمى النمرة ، وكانت له ركوة تسمى الصادرة ، وكانت له مرآة تسمى المرآة ، وكان له مقراض يسمى الجامع ، وكان له قضيب يسمى الممشوق .

[ ص: 360 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية