سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السابع في ديكته صلى الله عليه وسلم

وفيه أنواع :

الديك : بكسر جمعه ديوك ، وأدياك ، وديكة كقردة ، وقد يطلق على الدجاجة .

الأول : في نهيه صلى الله عليه وسلم عن سب الديك .

روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه بسند جيد عن زيد بن خالد الجهمي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تسبوا الديك ، فإنه يوقظ للصلاة » .

وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ديكا خرج عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسبه رجل ، فلعنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تلعنه ، ولا تسبه ، فإنه يدعو إلى الصلاة » .

وروى الطيالسي برجال ثقات عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تسبوا الديك ، فإنه يدعو إلى الصلاة » .

وروى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تسبوا الديك ، فإنه يوقظ للصلاة » .

الثاني : في أمره صلى الله عليه وسلم بالدعاء عند صياح الديك .

روى الشيخان ، والثلاثة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا سمعتم صياح الديك فاسألوا الله تعالى من فضله ، فإنها رأت ملكا » .

الثالث : في أمره صلى الله عليه وسلم باتخاذ الديك .

وروى البيهقي عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ الديك الأبيض ، فإن دارا فيها ديك أبيض لا يقربها شيطان ، ولا ساحر ، ولا الدويرات حولها .

وروى البيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : الديك يؤذن للصلاة ، من اتخذ ديكا أبيض حفظه الله تعالى من ثلاثة : من شر كل شيطان ، وساحر وكاهن . أسانيد هذه الأحاديث ضعيفة .

الرابع : في سبب صياح ديكة الأرض .

روى ابن عدي ، والبيهقي في الشعب من طريق ابن أبي علي المهلبي - وهو متروك - عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن لله تعالى ديكا عنقه منطوية تحت العرش ، ورجلاه تحت التخوم ، فإذا كانت هدأة من الليل صاح سبوح قدوس فصاحت الديكة » .

[ ص: 415 ] وروى ابن عدي - من طريق يحيى بن رهم بن الحارث الغفاري - قال ابن حبان : روى عن أبيه نسخة موضوعة لا يحل كتابتها إلا على جهة التعجب - وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وقال أبو حاتم : أرجو أن يكون صدوقا ، وقال الحافظ في حديث أعله به الذهبي : لعل الآفة من غيره - عن العرس بن عميرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن لله تعالى ديكا براثنه في الأرض السفلى ، وعرفه تحت العرش ، يصرخ عند مواقيت الصلاة ، ويصرخ له ديك السماوات سماء سماء ، ثم يصرخ بصراخ ديك السماوات ديكة الأرض ، سبوح سبوح قدوس رب الملائكة والروح .

وروى أبو الشيخ في كتاب العظمة ، بسند جيد قوي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن لله عز وجل ديكا ، رجلاه تحت سبع أرضين ، ورأسه قد جاوز سبع سموات ، يسمع في أوان الصلوات ، فلا يبقى ديك من ديكة الأرض إلا أجابه » .

وروى الطبراني وأبو داود وأبو الشيخ في العظمة ، وأبو نعيم في تاريخه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن لله تعالى ديكا أبيض ، جناحاه مشوبان بالزبرجد ، واللؤلؤ ، جناح له بالمشرق ، وجناح له بالمغرب ، ورأسه تحت العرش ، وقوائمه في الهواء » ، وفي لفظ « في الأرض السفلى ، يؤذن في كل سحر » ، ولفظ أبي الشيخ « فإذا كان في السحر الأعلى خفق بجناحيه ، ثم قال سبوح قدوس ، ربنا الذي لا إله غيره ، فيسمع تلك الصيحة أهل السماوات وأهل الأرض إلا الثقلين الإنس والجن ، فعند ذلك تجيبه ديوك الأرض ، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى : ضم جناحيك واخفض صوتك ، فيعلم أهل السماوات وأهل الأرض أن القيامة قد اقتربت » .

وروى أبو الشيخ في العظمة عن أبي راشد الحبراني قال : إن لله عز وجل ديكا - الحديث ، فذكر من عظمة خلقه أمرا عظيما ، سبح الله تعالى ، يقول : سبحان الملك القدوس ، الملك الديان ، فإذا انتفض صرخت الديوك في الأرض .

وروى أبو الشيخ ، والطبراني ، برجال الصحيح ، والحاكم - وصححه - عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض ، ورأسه مثبتة تحت العرش ، وهو يقول : سبحانك ، ما أعظمك ربنا ، فيرد عليه ما يعلم ذلك من حلف كاذبا » .

وروى أبو الشيخ - من طريق أيوب بن سويد - ضعفه أحمد وجماعة ، وتركه النسائي ، وقال أبو حاتم : لين الحديث ، وقال الحافظ في التقريب : صدوق يخطئ ، وبقية رجاله ثقات - عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لله عز وجل ديكا براثنه في [ ص: 416 ] الأرض السفلى ، وعنقه مثنى تحت العرش ، وجناحاه في الهواء يخفق بهما سحرا ويقول : القدوس ربنا الرحمن ، لا إله غيره » .

وروى أيضا من طريق رشدين بن سعد - قال الحافظ ضعيف ، قال ابن يونس : كان صالحا في دينه ، فأدركته غفلة الصالحين ، فخلط في الحديث - عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن لله ديكا جناحاه مشوبان بالزبرجد ، واللؤلؤ ، والياقوت ، جناح له بالمشرق ، وجناح له بالمغرب ، وقوائمه في الأرض السفلى ، ورأسه منثنية تحت العرش - لا إله غيره - فإذا كان في السحر الأعلى خفق بجناحيه ، ثم قال سبوح قدوس ، ربنا الذي لا إله غيره فعند ذلك تضرب الديكة بأجناحها وتصيح ، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى : ضم جناحك ، وغض صوتك ، فيعلم أهل السماوات والأرض أن الساعة قد اقتربت .

وروى أيضا الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن مما خلق الله تعالى ديكا براثنه في الأرض السابعة وعرفه منطو ، تحت العرش ، قد أحاط جناحاه بالأفقين ، فإذا بقي ثلث الليل الآخر ضرب بجناحيه ، ثم قال : سبوح ، سبحوا الملك القدوس ، سبحوا ربنا الملك القدوس ، سبحان ربنا الملك القدوس ، لا إله لنا غيره ، فيسمعها من بين الخافقين إلا الثقلين ، فيرون أن الديكة إنما تضرب بأجنحتها ، وتصرخ إذا سمعت ذلك » ، قال شيخنا رحمه الله تعالى : في هذا الطريق أنه حسن صحيح ، إذا علم ذلك تبين أن قول من قال : إن هذا الحديث موضوع ليس بصحيح ، وقد بسطت الكلام على ذلك في كتاب الفوائد المجموعة ، في بيان الأحاديث الموضوعة ، أعان الله تعالى على إكماله وتحريره .

الخامس : في محبته صلى الله عليه وسلم الديك .

روى الحارث بن أبي أسامة عن عائشة ، والحارث العقيلي عن أنس بن مالك ، وابن حبان في الضعفاء عن ابن عمر وأبو بكر البرقي عن أبي زيد الأنصاري ، وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الديك الأبيض الأفرق صديقي ، وصديق صديقي ، وعدو عدوي » ، زاد أبو زيد الأنصاري : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيته معه في بيته - هذه الطرق كلها ضعيفة ، وإذا ضم بعضها إلى بعض أفاد قوة ، ولم يوافق ابن الجوزي على وضعه كما بينت ذلك في الفوائد .

التالي السابق


الخدمات العلمية