سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
النوع الثاني : في مواقيتها على سبيل الانفراد وتعجيلها :

وفيه أنواع :

الأول : في تعجيل الصلاة مطلقا .

روى الدارقطني ، عن جابر - رضي الله تعالى عنه- قال : «لم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يؤخر الصلاة لطعام ولا غيره» .

وروى أيضا عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : ما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصلاة لآخر وقتها الآخر حتى قبضه الله تعالى . [ ص: 77 ]

وفي رواية عند الإمام أحمد والترمذي إلا مرتين .

وروى الترمذي- وحسنه- عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : «ما رأيت أحدا كان أشد تعجيلا [للظهر] من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا من أبي بكر ولا من عمر » .

وروى الإمام أحمد ، والترمذي ، عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشد تعجيلا للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه» .

وروى مسلم عن خباب بن الأرت- رضي الله تعالى عنه- قال : «أتينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فشكونا إليه الرمضاء فلم يشكنا ، قال زهير : قلت لأبي إسحاق : أفي الظهر ؟

قال : نعم؛ قلت : أفي تعجيلها ؟ قال : نعم»
.

وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه منها» .

وروى الشيخان عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر» .

الثاني : في العصر .

روى الجماعة ، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر» .

وفي رواية : «في حجرتها لم يظهر الفيء» .

وفي رواية : «لم يظهر الفيء في حجرتها» .

وروى الأئمة إلا الترمذي عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي» .

وفي رواية : إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة ، وبعض العوالي على أربعة أميال أو نحوها . [ ص: 78 ]

وفي لفظ الدارقطني : والعوالي من المدينة على ستة أميال .

ولفظ أبي داود والإمام أحمد ، قال الزهري عن أنس : أنه أخبره أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «كان يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء حية ، ويذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة والعوالي على ميلين أو ثلاثة ، قال : وأحسبه قال : أربعة» .

وروى الإمام أحمد والدارقطني عنه قال : «ما كان أحد أشد تعجيلا لصلاة العصر من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن كان أبعد رجلين من الأنصار دارا من مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبو لبابة بن عبد المنذر أخو بني عمرو بن عوف ، وأبو عبس بن جبر أخو بني حارثة ، دار أبي لبابة بقباء ، ودار أبي عبس بن جبر في بني حارثة ، ثم إن كان ليصليان مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العصر ثم يأتيان قومهما وما صلوها لتبكير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وروى الإمام أحمد ، والبزار ، والطبراني ، عن أبي أروى- رضي الله تعالى عنه- قال :

«كنت أصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة العصر بالمدينة ، ثم آتي ذا الحليفة قبل أن تغيب الشمس ، وهي على قدر فرسخين» .

وروى الإمام أحمد ، والترمذي ، عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشد تعجيلا للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه» .

وروى مسلم عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : «صلى لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العصر ، فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة ، فقال : يا رسول الله ، إنا نريد أن ننحر جزورا لنا ونحب أن تحضرها ، فانطلق وانطلقنا معه ، فوجدنا الجزور لم تنحر ، فنحرت ثم قطعت ، ثم طبخ منها ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس» .

وروى الإمام أحمد والشيخان والدارقطني عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنه- قال : «كنا نصلي العصر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم تنحر الجزور ، فتقسم عشر قسم ، ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل مغيب الشمس» . [ ص: 79 ]

وروى الدارقطني عن أبي مسعود البدري الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر والشمس بيضاء مرتفعة نقية ، يسير الرجل حتى ينصرف إلى ذي الحليفة ستة أميال قبل غروب الشمس» .

وروى أبو داود عن علي بن شيبان رضي الله تعالى عنه- قال : «قدمنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية» .

وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أبي أروى- رضي الله تعالى عنه- قال : «كنت أصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العصر بالمدينة ، ثم آتي الشجرة يعني ذا الحليفة قبل أن تغيب الشمس» .

وروى أبو يعلى عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر بقدر ما يذهب الرجل إلى بني حارثة بن الحارث ويرجع قبل غروب الشمس» ، «وبقدر ما ينحر الرجل الجزور ويعضيها لغروب الشمس» .

الثالث : في المغرب :

روى الإمام أحمد عن أبي طريف- رضي الله تعالى عنه- قال : «كنت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين حاصر الطائف ، فكان يصلي بنا صلاة البصر حتى لو أن رجلا رمى لرأى مواقع نبله» .

وروى الإمام أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب» وفي رواية : «ساعة تغرب» .

وروى الإمام أحمد ، والبزار ، وأبو يعلى ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه- [ ص: 80 ] قال : «كنا نصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المغرب ، ثم نرجع إلى منازلنا وهي ميل وأنا أبصر مواقع نبلي» .

وروى الشيخان وابن ماجه ، عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنه- قال : «كنا نصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المغرب ثم نأتي منازلنا وهي على قدر ميل فنرى مواقع النبل» .

وروى الإمام أحمد ، والترمذي ، عن جابر - رضي الله تعالى عنه- قال : «كنا نصلي المغرب ، ثم نأتي منازلنا وهي على قدر ميل فنرى مواقع النبل» .

ورواه الإمام أحمد وأبو داود عن أنس .

الرابع : في العشاء :

روى ابن أبي شيبة والطيالسي عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخر صلاة العشاء الآخرة تسع ليال إلى ثلث الليل ، فقال أبو بكر : يا رسول الله لو عجلت بنا كان أمثل لقيامنا بالليل ، فكان بعد ذلك يعجل .

وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات عن ابن عمر ، وأبي يعلى عن جابر - رضي الله تعالى عنه- قال : «جهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جيشا حتى ذهب نصف الليل أو بلغ ذلك ، ثم خرج إلى الصلاة فقال : أصلى الناس ورجعوا» - ولفظ جابر «رقدوا» - وأنتم تنتظرون الصلاة ؟ أما إنكم لن تزالوا في الصلاة ما انتظرتموها» .

وروى البزار برجال ثقات عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أعتم ليلة بالعشاء ، فناداه عمر ، نام النساء والصبيان ، فقال : «ما ينتظر هذه الصلاة أحد من أهل الأرض غيركم» . [ ص: 81 ]

الخامس : في الصبح :

روى الأئمة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : «كن نساء المؤمنات ، يشهدن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح وهن متلفعات بمروطهن ، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس» .

وفي رواية للإمام الشافعي ، والبخاري : «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الصبح بغلس ، فينصرف النساء لا يعرفن من الغلس» .

زاد البخاري : «ولا يعرف بعضهن بعضا» .

وروى الشافعي عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله تعالى عنه- أنه وصف صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «كان يصلي الصبح ثم ينصرف وما يعرف الرجل منا جليسه ، وكان يقرأ بالستين إلى المائة» .

وروى البزار برجال ثقات عن علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- قال : «كنا نصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح ثم نتفرق وما نعرف بعضنا» .

وروى الطبراني - بسند جيد- عن حرملة قال : «انطلقت من وفد الحي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فصلى بنا الصبح ، فلما سلم جعلت أنظر إلى وجه الذي جنبي فما أكاد أعرفه من الغلس . . » الحديث . وروى ابن ماجه عن مغيث بن سمي قال : «صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس ، فلما سلم أقبلت على ابن عمر ، فقلت : ما هذه الصلاة ؟ قال : هذه صلاتنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر ، فلما طعن عمر أسفر بها عثمان» .

وروى الطيالسي بسند صحيح عن قيلة بنت مخرمة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت :

«صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الفجر حين انشق والنجوم شابكة في السماء ، ما نكاد نتعارف مع ظلمة الليل ، والرجال ما تكاد تتعارف» . [ ص: 82 ]

وروى الطيالسي برجال ثقات وينظر في حال عليبة عن ضرغامة ابن بنت عليبة بن حرملة العنبري قالت : «حدثني أبي عن أبيه قال : أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ركب الحي ، فصلى بنا صلاة الصبح ، فجعلت أنظر إلى الذي إلى جنبي ، فما أكاد أعرفه ، أي من الغلس» .

وروى الحارث بن أسامة عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسفر بالفجر» .

وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الفجر إذا غشى النور السماء» .

وروى أبو يعلى عن زيد بن حارثة- رضي الله تعالى عنه- قال : «سأل [رجل] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن وقت صلاة الصبح» فقال : «صلها معي اليوم وغدا» فلما كان بقاع نمرة بالجحفة صلاها حين طلع الفجر ، حتى إذا كنا بذي طوى أخرها حتى قال الناس : أقبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ؟ فقالوا : لو صلينا ؟ فخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- وصلاها أمام الشمس ، ثم أقبل على الناس ، فقال : ماذا قلتم ؟ قالوا : قلنا : لو صلينا ؟ قال : لو فعلتم أصابكم عذاب ، ثم دعا السائل ، فقال : الصلاة ما بين هاتين الصلاتين» .

النوع الثالث : في تأخيره- صلى الله عليه وسلم- بعض الصلوات ، وفيه أنواع :

الأول : في تأخيره- صلى الله عليه وسلم- الظهر من شدة الحر ، والإبراد بها .

روى البخاري ، والنسائي ، عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل» .

وروى الإمام أحمد ، وابن ماجه ، عن المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه- قال : «كنا نصلي صلاة الظهر بالهاجرة ، فقال لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم» . [ ص: 83 ]

وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال : «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر ، فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر ، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «أبرد» ، ثم أراد أن يؤذن ، فقال له : «أبرد» حتى رأينا فيء التلول ، فقال الرسول- صلى الله عليه وسلم- : «إن شدة الحر من فيح جهنم ، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة» .

الثاني : تأخير الظهر في الشتاء :

وروى الإمام أحمد عن أبي العلاء عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر في أيام الشتاء ولا ندري ما ذهب من النهار كثر أو ما بقي» .

وروى أبو داود والنسائي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- قال : «كان قدر صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصيف ثلاثة أقدام ، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة» .

الثالث : تأخير العشاء :

روى الإمام أحمد والثلاثة : أبو داود والترمذي والنسائي عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال : «أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة ، صلاة العشاء ، كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصليها لسقوط القمر ، لثالثة» .

وروى الشيخان ، والنسائي ، والبيهقي ، عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : «أخر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العشاء إلى نصف الليل ، ثم صلى ثم قال : صلى الناس وناموا ، أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها» .

وروى الشيخان ، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لصلاة العشاء الآخرة ، خرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك ؟ فقال حين خرج : إنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ، ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة» . [ ص: 84 ]

وروى الإمام أحمد ، والشيخان ، والترمذي ، والنسائي عنه قال : «أقيمت الصلاة ورجل يناجي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما زال يناجيه حتى نام أصحابه ، ثم قام فصلى بهم» .

الرابع : تحويله- صلى الله عليه وسلم- الصلاة عن وقتها .

روى الإمام أحمد ، والشيخان ، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- قال : «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع ، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها» ، متفق عليه .

ولمسلم قبل وقتها بغلس .

ولأحمد والبخاري عن عبد الرحمن بن يزيد قال : «خرجت مع عبد الله تقدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة ، وتعشى بينهما ، ثم صلى حين طلع الفجر ، وقائل يقول : طلع الفجر وقائل يقول : لم يطلع الفجر ، ثم قال : إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان : المغرب والعشاء . ولا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا . وصلاة الفجر هذه الساعة» .

التالي السابق


الخدمات العلمية