سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
النوع الثاني : في مؤذنيه- صلى الله عليه وسلم .

قال في «زاد المعاد» كان له- صلى الله عليه وسلم- أربعة مؤذنين ، اثنان في المدينة : بلال بن رباح ، وهو أول من أذن له ، وعمرو بن أم مكتوم ، القرشي ، العامري ، الأعمى ، وبقباء سعد القرظ مولى عمار بن ياسر ، وبمكة أبو محذورة ، واسمه أوس بن مغيرة الجمحي ، وكان أبو محذورة يرجع الأذان ، ويثني الإقامة ، وبلال لا يرجع ، ويفرد الإقامة ، فأخذ الشافعي ، وأهل مكة ، بأذان أبي محذورة وإقامة بلال ، وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال وإقامة أبي محذورة ، وأخذ أحمد ، وأهل الحديث ، وأهل المدينة ، بأذان بلال وإقامته ، وخالفهم مالك في الموضعين : إعادة التكبير ، وتثنية الإقامة؛ فإنه لا يكررها . [ ص: 87 ]

وروى الإمام أحمد عن السائب بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- قال : «لم يكن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا مؤذن واحد ، في الصلوات كلها ، في الجمعة وغيرها يؤذن ، ويقيم» .

وروى مسدد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- مؤذنان : بلال ، وأبو محذورة» .

ورواه مسلم ، وأبو داود بلفظ : « بلال وابن أم مكتوم» .

وروى ابن أبي شيبة - برجال ثقات- عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة مؤذنين : بلال ، وأبو محذورة ، وابن أم مكتوم» .

وروى عبد بن حميد ، والطبراني ، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : أبطأ بلال يوما بالأذان فأذن رجل ، فجاء بلال فأراد أن يقيم ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يقيم من أذن» .

قال الحافظ أبو بكر الخطيب : «هذا الرجل المبهم زياد بن الحارث» .

وروى الإمام أحمد عن أبي محذورة- رضي الله تعالى عنه- قال : «جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الأذان لنا ولموالينا» .

وروى البزار عن أبي أسيد- رضي الله تعالى عنه- قال : «لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة جاءه أبو محذورة ، فقال : يا رسول الله ائذن لي أن أؤذن ، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أذن ، فكان بلال يؤذن ، فلما رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تخلف أبو محذورة» .

وروى الإمام أحمد ، والبيهقي ، والنسائي ، وأبو الشيخ ، وابن حبان واللفظ لهما ، عن أبي محذورة- رضي الله تعالى عنه- قال : «خرجت في نفر؛ فكنا ببعض طريق حنين مقفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من حنين ، فلقينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ببعض الطريق ، فأذن مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالصلاة عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فصرخنا نحكيه ونهزأ به؛ فسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصوت ، فأرسل إلينا حتى وقفنا [ ص: 88 ] بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال : أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع ؟ فأشار القوم إلي- وصدقوا- فأرسلهم كلهم فحبسني ، فقال : قم فأذن ، فقمت ولا شيء إلي أكره من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا مما يأمرني به ، فقمت بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فألقى علي التأذين بنفسه ، فقال : قل : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله .

ثم دعاني حين قضيت التأذين ، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ، ثم وضع يده على ناصيتي ، ثم أمرها على وجهي ، ثم على كبدي ، ثم بلغت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سرتي ، ثم قال : «بارك الله فيك وبارك عليك» فقلت : يا رسول الله ، «مرني بالتأذين بمكة » ، قال : «أمرتك به» ، وذهب كل شيء كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- من كراهته ، وعاد ذلك كله محبة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة ؛ فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم»
.

وروى الدارقطني عن سعد بن عائذ ، ويعرف بسعد القرظ- رضي الله تعالى عنه- قال :

«قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا سعد ، إذا لم تر بلالا معي فأذن ، ومسح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأسه وقال : «بارك الله فيك ، إذا لم تر بلالا فأذن» .

وروي أيضا- بسند ضعيف- عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- مؤذن يطرب ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : الأذان سهل سمح ، فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن» .

التالي السابق


الخدمات العلمية