سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السابع عشر في سيرته- صلى الله عليه وسلم- في صلاة الجماعة .

وفيه أنواع :

الأول : في محافظته- صلى الله عليه وسلم- على صلاة الجماعة .

وروى الطبراني برجال ثقات عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة ، فوجد الناس قد صلوا ، فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم» .

وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بسند حسن عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال : «جاء رجل ، وقد صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «أيكم يتجر على هذا» ، فقام رجل فصلى معه» .

وروى الدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء- وقد صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقام يصلي وحده ، فقال : «من يتجر على هذا فيصلي معه» .

الثاني : في تسويته- صلى الله عليه وسلم- الصفوف .

روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ، ويقول :

«لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول»
.

وروى البخاري عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : أقيمت الصلاة ، وأقبل علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بوجهه فقال : «أقيموا صفوفكم وتراصوا» .

وروى أبو داود عن محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة قال : «صليت إلى جانب أنس بن مالك يوما ، فقال : هل تدري لم صنع هذا العود ؟ قلت : لا والله ، قال : إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه ، ثم التفت فقال : «اعتدلوا سووا ، صفوفكم» ثم أخذه بيساره ثم قال : «اعتدلوا سووا صفوفكم» . [ ص: 189 ]

وروى مسلم عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى [رأى أنا] قد عقلنا عنه ، ثم خرج [فقام حتى كاد يكبر ، فرأى رجلا باديا صدره من الصف ، فقال : «عباد الله لتسون صفوفكم ، أو ليخالف الله بين وجوهكم» ] .

وروى أبو داود عنه ، قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة ، فإذا استوينا كبر» .

الثالث : في استخلافه- صلى الله عليه وسلم- في الإمامة إذا خرج- صلى الله عليه وسلم- من المدينة .

روى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : «استخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم يؤم الناس» .

وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «استخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم على المدينة يصلي بالناس» .

وروى أيضا عن عبد الله بن بحينة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سافر استخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، فكان يؤذن ويقيم فيصلي بهم» .

الرابع : في تجوزه في الصلاة إذا سمع بكاء الصغير .

روى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، والدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها ، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه ، من بكائه» .

ولفظ أبي قتادة : «كراهة أن أشق على أمه» .

وروى الدارقطني ، عن ابن سابط مرسلا ، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى الصبح فقرأ بستين آية فسمع صوت صبي فركع ، ثم قام فقرأ بآيتين ، ثم ركع» . [ ص: 190 ]

وروى البخاري عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال : «ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه» .

وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سمع صوت صبي في الصلاة فخفف» .

وروى البزار برجال ثقات عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «إني لأسمع صوت الصبي وأنا في الصلاة فأخفف مخافة أن تفتن أمه» .

الخامس : في صلاة النساء معه- صلى الله عليه وسلم- ، في المسجد .

روى الطبراني ، عن سليمان بن أبي حثمة ، عن أمه ، وعن أم سليم بنت أبي حكيم- رضي الله تعالى عنهما- قالتا : «أدركنا القواعد من النساء ، وهن يصلين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الفرائض» .

وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال : «كن النساء يصلين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الغداة ، ثم يخرجن متلفعات بمروطهن» .

السادس : في مقاربته خطاه- صلى الله عليه وسلم- إذا قصد الصلاة مع الجماعة .

روى الطبراني مرفوعا وموقوفا- ورجال الموقوف رجال الصحيح- عن زيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- قال : كنت أمشي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونحن نريد الصلاة ، فكان يقارب الخطا ، فقال : «أتدري لم أقارب ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم قال : «لا يزال العبد في صلاة ما دام في طلب الصلاة» .

وفي رواية : «إنما فعلت ذلك لتكتب خطاي في طلب الصلاة» .

السابع : في تطويله الركعة الأولى من الظهر .

روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنه- قال : «كان [ ص: 191 ] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقوم في الركعة الأولى من الظهر حتى لا يسمع وقع قدم» .

الثامن : في انتظاره- صلى الله عليه وسلم- كثرة الجماعة .

روى أبو داود مرسلا عن أبي النضر سالم بن أبي أمية- رحمه الله تعالى- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلا جلس لم يصل ، وإذا رآهم جماعة صلى» .

التاسع : في تذكره- صلى الله عليه وسلم- وهو في الصلاة أنه محدث ورجوعه إلى الإمامة .

روى الشيخان ، وابن ماجه ، والدارقطني ، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جاء إلى الصلاة ، فلما كبر ، انصرف ، وأومأ إليهم كما أنتم ، ثم خرج ، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم .

وفي لفظ «أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم» .

وفي رواية : حتى إذا قام في مصلاه ، انتظرنا أن يكبر انصرف . انتهى .

فلما انصرف قال : «إني خرجت إليكم جنبا ، فنسيت أن أغتسل ، حتى قمت في الصلاة» .

وروى الدارقطني عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال : «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقوم ، وليس هو على وضوء ، فتمت للقوم وأعاد هو» .

وروى الطبراني برجال الصحيح ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل في صلاته فكبر وكبرنا معه ، فأشار إلى القوم كما أنتم فلم نزل قياما حتى أتانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد اغتسل ورأسه يقطر ماء» .

وروى الإمام أحمد ، والطبراني ، واللفظ له . عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما فانصرف ونحن قيام ، ثم جاء ورأسه يقطر ماء فصلى بنا ، ثم قال :

«إني كنت صليت بكم وأنا جنب ، فمن أصابه مثل الذي أصابني ، أو وجد في بطنه رزا فليصنع مثل الذي صنعت»
. [ ص: 192 ]

وفي لفظ فلينصرف وليغتسل ، ثم ليأت فليستقبل صلاته .

وروى الطبراني ، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كبر بهم في صلاة الصبح ، فأومأ إليهم ، ثم انطلق ، ورجع ورأسه يقطر فصلى بهم ثم قال : «إنما أنا بشر [مثلكم] وإني كنت جنبا فنسيت» .

وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- استفتح الصلاة فكبر ، ثم أومأ إليهم أن مكانكم ، ثم دخل فخرج ورأسه يقطر ماء فلما قضى صلاته قال : «إنما أنا بشر وإني كنت جنبا» .

العاشر : في صلاته- صلى الله عليه وسلم- خلف بعض أصحابه- رضي الله تعالى عنهم .

روى الإمامان : مالك ، وأحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- أنه غزا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تبوك ، قال : فتبرز- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الغائط فحملت معه إداوة وذكر الحديث ووضوء النبي- صلى الله عليه وسلم- فأقبلت معه حين سجد الناس ، قد قدموا عبد الرحمن بن عوف ، وقد ركع بهم ركعة ، فلما أحس بالنبي- صلى الله عليه وسلم- ذهب يتأخر ، فأومأ إليه فصلى بهم .

الحادي عشر : في إدارته- صلى الله عليه وسلم- من صلى على يساره- صلى الله عليه وسلم .

روى الشيخان ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقمت عن يساره ، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه .

وروى مسلم عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال : «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره فجئت فقمت عن يساره ، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ، ثم جاء جابر بن صخر فقام عن يسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذ بأيدينا جميعا فأقامنا خلفه» . [ ص: 193 ]

وروى الإمام أحمد والطبراني عن جابر بن صخر- رضي الله تعالى عنه- قال : «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بطريق مكة ، قال : «اتبعني بالإداوة» فتبعته بماء فتوضأ فأحسن وضوءه ، وتوضأت معه ، ثم قام يصلي فقمت عن يساره فأخذ بيدي فحولني عن يمينه فصلينا» .

وروى البزار برجال موثقين عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقامني عن يمينه» .

وروى البزار عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أنه لقي النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو قائم يصلي في ثوب واحد ، فقمت عن شماله ، فأدارني حتى جعلني عن يمينه» .

الثاني عشر : في صفه الرجال ثم الصبيان ثم النساء .

روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن أبي مالك الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال : كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا أقام الصلاة صف الرجال ، وصف الغلمان خلفهم ، والنساء خلفهم .

الثالث عشر : في صلاته- صلى الله عليه وسلم- في مكان أعلى من مكان المأمومين ليعلمهم .

روى الإمام أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، والنسائي ، والبيهقي ، عن سهل بن سعد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أول يوم جلس على المنبر ، فقام عليه فكبر ، وكبر الناس وراءه ، وهو على المنبر» .

الرابع عشر : في أمره المؤذن إذا كانت ليلة مطيرة- أن يقول بعد الأذان ، ألا صلوا في رحالكم .

روى الإمام مالك والشافعي ، وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي ، وابن ماجه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر ، أن يقول : ألا صلوا في رحالكم . [ ص: 194 ]

الخامس عشر : في اقتدائه- صلى الله عليه وسلم- بغيره .

وفيه نوعان :

الأول : في اقتدائه- صلى الله عليه وسلم- بعبد الرحمن بن عوف .

روى الإمام مالك ، وأحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- أنه غزا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتبرز النبي- صلى الله عليه وسلم- الغائط فحملت معه إداوة وذكر الحديث . ووضوء النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال فيه وأقبلت معه حين سجد الناس ، فقدموا عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة ، فلما أحس بالنبي- صلى الله عليه وسلم- ذهب يتأخر فأومأ إليه يصلي بهم فأدرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إحدى الركعتين فصلى مع الناس الركعة الأخيرة ، فلما سلم عبد الرحمن ، قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتم صلاته ، فأفزع ذلك المسلمين ، فأكثروا التسبيح ، فلما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاته ، أقبل عليهم ، ثم قال : «أحسنتم وأصبتم» يغبطهم أن صلوا الصلاة بوقتها .

وروى ابن سعد بسند صحيح عن المغيرة بن شعبة- رضي الله تعالى عنه- هل أم النبي- صلى الله عليه وسلم- أحد [من هذه الأمة] غير أبي بكر الصديق ؟ قال : نعم ، كنا في سفر فلما كان عند السحر انطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وانطلقنا معه ، حتى تبرزنا عن الناس ، فنزل عن راحلته ثم انطلق فتغيب عني حتى ما أراه ، فمكث طويلا ، ثم جاء فصببت عليه فتوضأ ومسح على خفيه ، ثم ركبنا ، فأدركنا الناس ، وقد أقيمت الصلاة ، فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف وقد صلى بهم ركعة وهم في الثانية فذهبت أوذنه ، فنهاني فصلينا الركعة التي أدركنا وقضينا التي سبقتنا ، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- حين صلى عبد الرحمن بن عوف : «ما قبض نبي قط حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته» .

الثاني : في اقتدائه- صلى الله عليه وسلم- بأبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه .

روى الإمام أحمد ، والترمذي- وقال : حسن صحيح- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خلف أبي بكر الصديق في مرضه الذي مات فيه ، قاعدا» .

وروى الترمذي- وقال : حسن صحيح- والنسائي ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- [ ص: 195 ] قال : «صلى النبي- صلى الله عليه وسلم- خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به» .

وروى البيهقي في المعرفة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد مخالف بين طرفيه ، فلما أراد أن يقوم قال : «ادع لي أسامة بن زيد» فجاء فأسند ظهره إلى نحره فكان آخر صلاة صلاها .

وروى النسائي عنه أيضا قال : آخر صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع القوم ، صلى في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر- رضي الله تعالى عنه .

وروى ابن حبان في صحيحه ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- صلى بالناس ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصف خلفه» .

التالي السابق


الخدمات العلمية