سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثالث في موضع خطبته- صلى الله عليه وسلم

وفيه أنواع :

الأول : في خطبته- صلى الله عليه وسلم- على الأرض مستندا إلى راحلته .

وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام تبوك يخطب الناس ، وهو مسند ظهره إلى راحلته .

وروى الإمام أحمد- بسند جيد- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب وظهره إلى الملتزم» .

الثاني : في خطبته- صلى الله عليه وسلم- على البغلة وعلى ناقته .

قال في «زاد المعاد» خطب- صلى الله عليه وسلم- على الأرض ، وعلى المنبر ، وعلى البعير ، وعلى ناقته . قلت : وعلى البغلة .

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن هلال بن عامر المزني عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنى يخطب على بغلة ، وعليه برد أحمر ، وعلي- رضي الله تعالى عنه- يعبر عنه» .

وروى الإمام أحمد ، والترمذي- بسند حسن صحيح- والنسائي ، والبيهقي عن عمرو بن خارجة قال : خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنى وهو على راحلته ، وهي تقصع بجرتها ، ولعابها يسيل بين كتفيه .

وروى الطبراني عن الهرماس بن زياد- رضي الله تعالى عنه- قال : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب على ناقته ، فقال : «إياكم والخيانة فإنها بئست البطانة ، إياكم [ ص: 213 ] والظلم فإنه ظلمات يوم القيامة ، إياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح حتى سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم» .

الثالث : في اتخاذه- صلى الله عليه وسلم- المنبر .

روى ابن إسحاق والبزار بسند ضعيف عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «إن أتخذ المنبر ، فقد اتخذه أبي إبراهيم ، وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم» .

وروى الطيالسي عن جرير- رضي الله تعالى عنه- قال : «خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على منبر صغير فحثنا على الصدقة» .

وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخطب يوم الجمعة ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى على المنبر ، فإذا سكت المؤذن يوم الجمعة قام فخطب» .

وروى الإمام أحمد عن ابن عمر وعبد الله ابن الإمام أحمد عن أبي بن كعب ، وأبو يعلى عن أبي سعيد والبزار من طريق آخر عنه ، وعبد بن حميد من طريق آخر واللفظ له ، وأبو يعلى برجال ثقات ، والطبراني عن جابر والطبراني عن عائشة ، والطبراني برجال ثقات عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة» ، وفي لفظ : أسند ظهره إليه ، إذا تكلم يوم الجمعة ، أو حدث أمر يريد أن يكلم الناس ، فقال له الناس : يا رسول الله قد كثر الناس ، يعني المسلمين وإنهم ليحبون أن يروك ، فلو اتخذت منبرا تقوم عليه فيراك الناس ، قال : «نعم» ، قال : «من يجعل لنا هذا المنبر» ، فقام إليه رجل فقال : أنا قال : «تجعله» قال : نعم ، ولم يقل إن شاء الله ، قال : «ما اسمك» ؟ قال : فلان ، قال : «اقعد» ، فقعد ، ثم عاد فقال : «من يجعل لنا هذا المنبر ؟ » فقام إليه رجل فقال : قال : تجعله ، قال : نعم ، ولم يقل إن شاء الله ، قال : «ما اسمك ؟ » قال : فلان ، قال : «اقعد» فقعد ، ثم عاد فقال :

«من يجعل لنا هذا المنبر ؟ » فقام إليه رجل فقال : أنا ، قال : «تجعله» قال : نعم إن شاء الله قال : «ما [ ص: 214 ] اسمك ؟ » قال إبراهيم قال : اجعله فصنع له ثلاث درجات ، فلما كان يوم الجمعة ، واستوى عليه ، واستقبل القبلة حنت النخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد .


[وفي لفظ : «فخار الجذع كما تخور البقر جزعا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» .

وفي لفظ حن كما تحن الناقة على ولدها ، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن المنبر فاعتنقها فلم يزل حتى سكن .

وفي لفظ «فقال له اسكن إن تشأ غرستك في الجنة فيأكل منك الصالحون ، وإن شئت أعيدك كما كنت رطبا فاختار الآخرة على الدنيا فلما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رفع إلى أبي بن كعب فلم يزل عنده حتى أكلته الأرضة .

ثم عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «إن هذه النخلة ، إنما حنت شوقا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوالله لو لم أنزل إليها فأعتنقها لما سكنت إلى يوم القيامة ، فلما كان من الغد رأيتها قد حولت فقلنا ما هذا ؟ قال : جاء أبو بكر وعمر فحولوها» .

وروى الشيخان عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال : كان جدار المسجد عند المنبر ، ما كادت الشاة تجوزها . [ ص: 215 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية