سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الرابع في سيرته- صلى الله عليه وسلم- في خطبته- صلى الله عليه وسلم

وفيه أنواع :

الأول : في استقباله- صلى الله عليه وسلم- وقت الخطبة .

روى الترمذي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا استوى على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم» .

روى ابن ماجه عن عدي بن ثابت الأنصاري عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم .

الثاني : في سلامه- صلى الله عليه وسلم- على الناس قبل صعوده المنبر ، وإذا صعده .

قال في «زاد المعاد» : كان- صلى الله عليه وسلم- إذا صعد المنبر ، أقبل بوجهه على الناس ، ثم قال :

«السلام عليكم»
.

وروى البيهقي عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صعد المنبر سلم» .

وروى الضياء في «المختارة» عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد يوم الجمعة ، سلم على من عند المنبر فإذا صعد المنبر سلم على الناس» .

الثالث : في خطبته- صلى الله عليه وسلم- قائما وجلوسه ثم خطبته وإشارته بأصبعه ورفع صوته .

قال في «زاد المعاد» : «كان- صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما ، وكان إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم» ويقول : «بعثت أنا والساعة كهاتين» ويقرن بين أصبعيه السبابة ، والوسطى . [ ص: 216 ]

ويقول : «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة»
.

وروى ابن سعد ، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خطب الناس احمرت عيناه ، ورفع صوته ، واشتد غضبه كأنه منذر جيش صبحتكم أو مسيتكم ثم يقول : «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بالسبابة والوسطى ثم يقول :

«أحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ، من مات وترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي»
.

وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما على رجليه» .

وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب قائما ثم يجلس ، ثم يقوم فيخطب قائما يقرأ القرآن ويذكر الناس ، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب ، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة .

وروى الإمام أحمد ، والطبراني ، ورجاله ثقات ، والبزار عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة قائما ثم يقعد ثم يقوم يخطب» .

ولفظ البزار «كان- صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة خطبتين يفصل بينهما بجلسة» .

وروى الشيخان ، وأبو داود ، والنسائي ، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : كان رسول - صلى الله عليه وسلم- يخطب خطبتين ، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ، ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب .

وروى النسائي ، وابن ماجه عنه- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- [ ص: 217 ] يخطب قائما ، يقعد قعدة ، ثم يقوم» . زاد ابن ماجه : «فيقرأ آيات ويذكر الله ، وكانت خطبته قصدا وصلاته قصدا» .

وروى سمويه في «فوائده» وابن المنذر ، وابن مردويه عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خطب الناس أو علمهم ، لا يدع هذه الآية أن يتلوها» . وفي رواية : ما جلس على هذا المنبر قط إلا تلا هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم إلى قوله فقد فاز فوزا عظيما [الأحزاب 7] .

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «ما قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المنبر إلا سمعته يقول : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . ورواه الإمام أحمد ، والثلاثة عن عمارة بن رويبة- براء وموحدة مصغرا ، أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال : قبح الله تيك اليدين ، فقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما كان يزيد عن أن يقول بيديه هكذا وأشار بأصبعه السبابة .

وروى أبو داود ، وابن حبان ، والحاكم عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال :

ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شاهرا يديه قط يدعو على منبر ولا غيره ، ولكن رأيته يقول هكذا ، وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام .

وروى الإمام أحمد ، وأبو يعلى ، والحاكم ، والبيهقي ، عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنه- قال : خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أسمع العواتق في بيوتهن ، أو قال : في خدورها ، فقال : «يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته» .

الرابع : في اعتماده- صلى الله عليه وسلم- في الخطبة على قوس أو عصا .

قال في «زاد المعاد : » كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر . كذا ذكر أبو داود ، «وكان أحيانا يتوكأ على قوس . ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف» .

وروى أبو داود عن الحكم بن حزن الكلفي- رضي الله عنه- قال : «شهدنا الجمعة مع [ ص: 218 ] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقام متوكئا على قوس أو عصا ، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات» .

وروى الإمام الشافعي عن ابن جريج قال : «قلت لعطاء : أكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقوم على عصا ؟ قال : نعم يعتمد عليها اعتمادا» .

وروى الإمام أحمد ، وابن ماجه ، عن سعد بن عائذ : سعد القرظ مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أنه- صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس وإذ خطب في الجمعة خطب على عصا» .

وروى الطبراني عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخطب بمخصرة» .

وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخطبهم في السفر متكئا على قوس» .

الخامس : في قطعه- صلى الله عليه وسلم- الخطبة ونزوله لأمر .

قال في «زاد المعاد» : «كان- صلى الله عليه وسلم- إذا عرض له في خطبته عارض اشتغل به ثم رجع إلى خطبته ، وكان يخطب فجاء الحسن والحسين يعثران في قميصين أحمرين فقطع كلامه فنزل ، فحملهما ثم عاد إلى المنبر ، ثم قال : «صدق الله تعالى : إذ يقول إنما أموالكم وأولادكم فتنة

رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما»
.

وروى الإمام أحمد ، والترمذي ، وحسنه ، والضياء ، والحاكم في الأحكام- وقال إسناده على شرط مسلم- عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- قال : خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقبل الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان .

وفي لفظ : يمشيان ويعثران فنزل فأخذهما .

وفي لفظ : فحملهما ووضعهما بين يديه ، فصعد بهما ثم قال : «صدق الله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» . [ ص: 219 ]

وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، والنسائي ، عن أبي رفاعة العدوي ، واسمه تميم بن أسيد- رضي الله تعالى عنه- قال : انتهيت ولفظ النسائي : دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب ، فقلت : «يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه ، لا يدري ما دينه ؟ قال : فأقبل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وترك خطبته حتى إذا انتهى إلي ، فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدا فقعد عليه وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى الخطبة فأتمها» . زاد الإمام أحمد : «رأى خشبا أسود حسبه حديدا ، وذكره النسائي بلفظ : أتي بكرسي من خلب قوائمه من حديد ، والخلب :

الليف» .

السادس : في كلامه- صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه في أمر شرعي حال الخطبة .

روى الجماعة ، إلا الإمام مالك ، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : دخل سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب ، فقعد قبل أن يصلي ، قال : «صليت ؟ » قال :

لا قال : «فصل ركعتين»
.

وروى الدارقطني وضعفه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : دخل رجل من قيس المسجد- ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «قم فاركع ركعتين ، وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته» .

وروى الإمام الشافعي- واللفظ له- والإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن أبي سعيد- رضي الله [تعالى] عنه قال : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب وجاء رجل [فدخل المسجد] بهيئة بذة فقال : «أصليت ؟ » قال : لا . قال : «فصل ركعتين» ، قال : فصلى ركعتين ، قال : ثم حث الناس على الصدقة فألقوا ثيابا ، فأعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منها الرجل ثوبين .

فلما كانت الجمعة الأخرى جاء الرجل والنبي- صلى الله عليه وسلم- يخطب ، فقال : له النبي- صلى الله عليه وسلم- «أصليت ؟ » قال : لا قال : «فصل ركعتين» ثم حث على الصدقة فطرح الرجل أحد ثوبيه ، فصاح النبي- صلى الله عليه وسلم- : «خذه خذه» ، ثم قال : «انظروا إلى هذا ، جاء تلك الجمعة بهيئة بذة ، فأمرت الناس بالصدقة فطرحوا ثيابا فأعطيته منها ثوبين ، فلما جاءت الجمعة الأخرى أمرت الناس بالصدقة فألقى أحد ثوبيه»
، ورجاله موثقون . [ ص: 220 ]

وروى الطبراني في الكبير عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : «دخل النعمان بن قوقل ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «صل ركعتين تجوز فيهما» .

وروى ابن ماجه ، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا دخل المسجد ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب ، فجعل يتخطى رقاب الناس ، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «اجلس فقد آذيت وآنيت» .

وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، عن عبد الله بن بسر- رضي الله تعالى عنه- قال : جاء رجل ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اجلس فقد آذيت وآنيت» .

وروى أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : لما استوى رسول الله على المنبر ، قال : «اجلسوا» فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد فرآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «تعال يا عبد الله بن مسعود» .

وروى الإمام أحمد عن قيس بن أبي حازم عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال : «رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب وأنا في الشمس فأمرني فتحولت» .

السابع : في شربه- صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة على المنبر ليري الناس أنه لا يصومه .

روى ابن أبي شيبة ، وأحمد بن منيع ، عن جنادة الأزدي - رضي الله تعالى عنه- قال : دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سبعة من الأزد ، أنا منهم يوم الجمعة وهو يتغدى فدعانا إلى طعامه ، فقلنا : إنا صيام فأمرنا فقال : «أصمتم أمس ؟ » قلنا : لا . قال : «أفتصومون غدا ؟ » قلنا :

لا ، قال : «فأفطروا» ، فأكلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من طعامه ، فلما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصعد المنبر ، دعا بماء فشربه وهو على المنبر يري الناس أنه لا يصوم يوم الجمعة»
. [ ص: 221 ]

الثامن : في وقوفه- صلى الله عليه وسلم- مع من يكلمه بعد نزوله من المنبر وقبل الصلاة .

روى الإمام أحمد ، والأربعة عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينزل من المنبر يوم الجمعة ، فيكلمه الرجل في حاجته ، فيكلمه ، ثم يتقدم إلى مصلاه» .

وقال أبو داود : ليس بمتصل عن ثابت تفرد به جرير بن حازم .

وقال الترمذي : سمعت محمدا يعني : البخاري يقول : «وهم جرير بن حازم في هذا الحديث . والصحيح ما روي عن ثابت عن أنس قال : أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما زال يكلمه حتى نعس بعض القوم» . [ ص: 222 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية