سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثالث في وقت قيامه- صلى الله عليه وسلم- من الليل وقدره وقدر نومه وصفة قراءته

روى الطبراني من طريق أبي بكر المديني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتسوك من الليل مرتين ، أو ثلاثا ، كلما رقد فاستيقظ استاك وتوضأ ، وصلى ركعتين أو ركعة .

وروى الشيخان عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- : قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يشوص فاه» .

وروى مسلم ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن سعد بن هشام سألها عن وتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت : كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله تعالى ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ .

وروى الطبراني بسند صحيح عن الحجاج بن غزية والطبراني عن الحجاج بن عمرو المازني- رضي الله تعالى عنه : قال : «أيحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد [إنما التهجد المرء يصلي] بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة وتلك كانت صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم» وفي رواية «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتهجد بعد نومه وكان يستن قبل أن يتهجد» .

وروى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «إن كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليوقظه الله عز وجل من الليل فما يجيء السحر حتى يفرغ من حزبه» وفي لفظ : من وتره .

وروى الإمام ، والشيخان ، وأبو داود ، والنسائي ، عن مسروق- رحمه الله تعالى- قال :

«سألت عائشة- رضي الله تعالى عنها- أي العمل كان أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم ؟ » قالت : [ ص: 277 ] «الدائم» قلت : فأي حين كان يقوم من الليل ؟ قالت : «كان يقوم إذا سمع الصارخ» الصارخ الديك .

وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «بت عند خالتي ميمونة ، فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العشاء ثم جاء فصلى أربع ركعات ، ثم نام ثم قام فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه فصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين ثم نام حتى سمعت غطيطه أو قال :

خطيطه ثم خرج إلى الصلاة»
.

وروى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت لما سئلت عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل : ما صلى العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله ، إلا صلى أربع ركعات أو ست ، ولقد مطرنا مرة بالليل فطرحنا نطعا فكأني أنظر إلى ثقب فيه ينبع منه الماء وما رأيته متفيئا الأرض بشيء من ثيابه قط» .

وروى الإمام أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن الأسود- رحمه الله تعالى- قال : «سألت عائشة- رضي الله عنها- عن صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالليل قالت :

كان ينام أوله ويقوم آخره فيصلي ثم يرجع إلى فراشه ، فإذا أذن المؤذن وثب فإن كان به حاجة اغتسل وإلا توضأ وخرج»
.

وروى الإمام أحمد ، والثلاثة ، وأبو الحسن الضحاك ، عن يعلى بن مملك رحمه الله تعالى أنه سأل أم سلمة عن قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصلاته فقالت : «ما لكم ولصلاته وقراءته ، كان يصلي العتمة ثم يسبح ، ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل ثم يرقد» وفي لفظ «كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ثم يصبح ثم نعتت قراءته ، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا» .

وروى ابن ماجه عن أم هانئ رضي الله تعالى عنها- قالت : «كنت أسمع قراءة النبي- صلى الله عليه وسلم- بالليل وأنا على عريشي» .

وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- [ ص: 278 ] بالليل يرفع له طورا ويخفض طورا الطور : المرة الواحدة يعني مرة كذا ومرة كذا والأطوار الحالات المختلفة .

وروى النسائي عن عوف بن مالك قال : «قمت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما ركع قدر سورة البقرة يقول في ركوعه : سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة» .

وروى عبد الرزاق عن حذيفة ، رضي الله تعالى عنه- قال : «قام النبي- صلى الله عليه وسلم- ليلة وهو يصلي في المسجد ، فقمت أصلي وراءه يخيل إلى أنه لا يعلم ، فاستفتح بسورة البقرة ، فقلت :

إذا جاء مائة آية ركع فجاءها فلم يركع ، فقلت : إذا جاء مائتي آية ركع فجاءها فلم يركع ، فقلت :

إذا ختمها ركع فختمها فلم يركع فلما ختم ، قال : «اللهم لك الحمد» ، ثم استفتح آل عمران فقلت : إذا ختمها ركع فختمها ولم يركع وقال : «اللهم لك الحمد» ، ثم استفتح النساء ، فقلت :

إذا ختمها ركع ، فختمها فلم يركع وقال : «اللهم لك الحمد» ثلاثا ثم استفتح بسورة المائدة» فقلت : إذا ختمها ركع ، فختمها فركع فسمعته يقول : «سبحان ربي العظيم» ، ويرجع شفتيه فأعلم أنه يقول : غير ذلك فلا أفهم غيره ثم استفتح بسورة الأنعام ، فتركته وذهبت»
.

وروى ابن أبي شيبة عنه قال : «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة لأصلي بصلاته ، فاستفتح الصلاة فقرأ قراءة ليست بالرفيعة ولا الخفيفة ، قراءة حسنة يرتل فيها يسمعنا ، قال : ثم ركع نحوا من سورة قال ثم رفع رأسه فقال : «سمع الله لمن حمده ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة» ، ثم قام نحوا من سورة قال وسجد نحوا من ذلك حتى فرغ من الطول وعليه سواد من الليل» .

وروى أبو يعلى عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : ألا يقوم أحدكم فيصلي أربع ركعات قبل العصر ويقول فيهن ما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : «تم نورك فهديت فلك الحمد ، عظم حلمك فعفوت فلك الحمد ، بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد ، ربنا وجهك أكرم الوجوه وجاهك أعظم الجاه ، وعطيتك أفضل العطية وأهنؤها ، تطاع ربنا فتشكر ، وتعصى ربنا فتغفر وتجيب المضطر ، وتكشف الضر وتشفي السقيم ، وتغفر الذنب وتقبل التوبة ، ولا يجري بآلائك أحد ، ولا يبلغ مدحتك قول قائل» .

وروى ابن منيع ، وأبو يعلى عن مسلم بن مخراق وقال : قلت لعائشة- رضي الله تعالى [ ص: 279 ] عنها- إن عندنا قوما يقرؤون القرآن مرة وثلاثة في ليلة فقالت : أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا لقد رأيتني وأنا أقوم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الليل التمام يقرأ بسورة (البقرة ، وآل عمران والنساء ) لا يمر بآية رجاء إلا سأل ربه ودعا ، ولا يمر بآية تخويف إلا دعا ربه واستعاذ» .

وروى الحارث بن أسامة ، عن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال : «لقد لقيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد العتمة ، فقلت : يا رسول الله ائذن لي أن أتعبد بعبادتك فذهب وذهبت معه إلى البئر ، فأخذت ثوبه فسترت عليه ، ووليته ظهري ، ثم أخذ ثوبي فستر علي حتى اغتسلت ، ثم أتى المسجد فاستقبل القبلة ، وأقامني عن يمينه ، ثم قرأ الفاتحة ، ثم استفتح سورة البقرة ، ولا يمر بآية رحمة إلا سأل الله ، ولا آية تخويف إلا استعاذ ، ولا مثل إلا فكر حتى ختمها ثم كبر ، فرفع ، فسمعته يقول في ركوعه : «سبحان ربي العظيم» ويرد فيه شفتيه حتى أظن أنه يقول : «وبحمده» ، فمكث في ركوعه قريبا من قيامه ، ثم رفع رأسه ثم كبر فسجد فسمعته يقول في سجوده : «سبحان ربي الأعلى» ، ويرد شفتيه ، فأظن أنه يقول : «وبحمده» ، فمكث في سجوده قريبا من قيامه ، ثم نهض حين فرغ من سجدته فقرأ فاتحة الكتاب ، ثم استفتح (آل عمران ) لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا مثل إلا فكر ، حتى ختمها ، ثم فعل في الركوع والسجود كفعل الأول ، ثم سمعت النداء بالفجر ، قال حذيفة فما تعبدت عبادة كانت علي أشد منها» .

وروى ابن مالك ، وأبو الحسن بن الضحاك ، وأبو نعيم عنه ، أنه صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الليل فلما دخل في الصلاة قال : «الله أكبر ، سبحان ذي الملك والجبروت والكبرياء والعظمة» ، ثم قرأ «البقرة» قراءة ليست بالخفيضة ولا بالرفيعة ، حسنة يرتل فيها ليسمعنا ، ثم يركع ، فكان ركوعه نحوا من قيامه ، وكان يقول : «سبحان ربي العظيم» ثم يرفع رأسه فكان قيامه نحوا من ركوعه وهو يقول : «سمع الله لمن حمده» ، ثم قال : «الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة» ، فكان سجوده نحوا من قيامه ، وكان يقول «سبحان ربي الأعلى» ثم رفع رأسه ، وكان بين السجدتين نحوا من السجود وكان يقول : «رب اغفر لي ، رب اغفر لي» حتى قرأ «البقرة» و «آل عمران» و «الأنعام» ، و «النساء» و «المائدة» و «الأنعام» قال شعبة : لا أدري المائدة ذكر أو الأنعام . [ ص: 280 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية