سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثاني في استسقائه- صلى الله عليه وسلم- بخطبتين ، وعلى منبر وصلاة بركعتين بلا أذان وبلا إقامة

وفيه أنواع :

الأول : فيما ورد في خطبته- صلى الله عليه وسلم- قبل الصلاة :

روى الإمام الشافعي ، عن ابن عباس ، - رضي الله تعالى عنهما- قال : «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- متبذلا متخشعا متوسلا متواضعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر ، ولم يخطب كخطبته هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتكبير والتضرع ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد» .

وروى الأئمة ، عن عبد الله بن زيد المازني- رضي الله تعالى عنه- قال : «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المصلى يستسقي فدعا فأطال الدعاء ، وأكثر المسألة ، واستسقى ثم استقبل القبلة ، ثم قلب رداءه ، وجعل إلى الناس ظهره ، يدعو» وفي لفظ : «عليه خميصة سوداء ، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فثقلت عليه ، فقلبها عليه الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن» وفي رواية قال المسعودي : «سألت أبا بكر محمد بن عمرو أجعل أعلاه أسفله ؟ أو اليمين على الشمال ؟ قال : بل اليمين على الشمال ثم صلى ركعتين» .

وروى أبو داود ، وابن حبان ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- ، قالت : شكا الناس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قحوط المطر ، فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ، ووعد الناس يوما يخرجون فيه ، فخرج حين بدا حاجب الشمس ، فقعد على المنبر ، فكبر وحمد الله تعالى فقال : - إنكم شكوتم جدب دياركم ، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم ، وقد أمركم الله أن تدعوه ، ووعدكم أن يستجيب لكم- ، ثم قال : «الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم . ملك يوم الدين ، لا إله إلا الله يفعل الله ما يريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين» ، ثم رفع يديه [فلم يزل في الرفع] حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حل رداءه ، وهو رافع يديه ، ثم أقبل على الناس ، ونزل فصلى ركعتين ، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى ، [ ص: 338 ] فلم يأت مسجده حتى سالت السيول ، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك ، حتى بدت نواجذه ، فقال : «أشهد أن الله على كل شيء قدير ، وأني عبد الله ورسوله» .

الثاني : في صلاته- صلى الله عليه وسلم- قبل الخطبة .

روى الدارقطني ، وأبو داود ، عن طلحة بن عبد الله بن عوف ، قال : «سألت ابن عباس» وفي لفظ «أرسلني مروان إلى ابن عباس- رضي الله [تعالى] عنهما- لأسأله عن سنة الاستسقاء ، فقال : سنة الاستسقاء [سنة] صلاة العيد ، إلا أن النبي- صلى الله عليه وسلم-[قلب رداءه ، فجعل يمينه على يساره ، ويساره على يمينه ، فصلى ركعتين بغير أذان ولا إقامة وكبر فيهما ثنتي عشرة تكبيرة ، سبعا في الأولى ، وخمسا في الآخرة ، وجهر بالقراءة ، ثم انصرف فخطب ، واستقبل الناس القبلة ، وحول رداءه» .

وروى الإمام أحمد ، وابن ماجه ، والبيهقي ، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال :

«خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستسقي ، فصلى ركعتين ، بلا أذان ولا إقامة ، ثم خطبنا فدعا الله تعالى وحول وجهه إلى القبلة ، رافعا يديه ، ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن» .

وروى ابن قتيبة الحديث- بسند ضعيف- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج للاستسقاء فتقدم فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب و سبح اسم ربك الأعلى وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب و هل أتاك حديث الغاشية فلما قضى صلاته ، استقبل القوم بوجهه ، وقلب رداءه ، ثم جثا على ركبتيه ورفع يديه ، وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي ، ثم قال :

«اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، رحبا ربيعا ، وجدا غدقا طبقا مغدقا هنيئا مريعا مربعا سريعا وابلا شاملا مسيلا ثجلا دائما دررا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث ، اللهم تحيي به البلاد ، وتغيث به العباد ، وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد ، [اللهم أنزل علينا في أرضنا نبتها وأنزل في أرضنا سكنها] اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا ، فأحيي به بلدة ميتة واسقه مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا»
. [ ص: 339 ]

وروى ابن صصرى في أماليه عن [جعفر بن] عمرو بن حريث ، عن أبيه ، عن جده- رضي الله تعالى عنهم- قال : «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نستسقي فصلى بنا ركعتين ، ثم قلب رداءه ورفع يديه فقال : «اللهم ضاحت جبالنا واغبرت أرضنا وهامت دوابنا ، معطي الخير من أماكنها ومنزل الرحمة من معادنها ، ومجري البركات على أهلها بالغيث المغيث ، أنت المستغفر الغفار ، فنستغفرك للحامات من ذنوبنا ، ونتوب إليك ، من عوام خطايانا ، اللهم فأرسل السماء علينا مدرارا وصل بالغيث ، واكف من تحت عرشك حيث يسعفنا ويعود علينا غيثا مغيثا عاما طبقا مجللا غدقا خصيبا رائقا ممرع النبات» .

الثالث : في دعائه- صلى الله عليه وسلم- . قائما ورفعه يديه ، واستقباله إذا اجتهد في الدعاء :

روى الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمد يديه حتى إني لأرى بياض إبطيه- يعني في الاستسقاء» .

وروى الشيخان ، وأبو داود والنسائي ، وابن ماجه والدارقطني ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا استسقى أشار بظهر كفيه إلى السماء .

وروى أبو داود عنه ، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يستسقي هكذا ، ومد يديه ، وجعل بطونهما مما يلي الأرض ، حتى رأيت بياض إبطيه» .

وروى الطبراني ، والبزار- بسند حسن أو صحيح عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يدعو إذا استسقى : «اللهم أنزل في أرضنا بركتها ، وزينها وسكنها» [وفي رواية : ] «وارزقنا ، وأنت خير الرازقين» .

وروى أبو داود ، عن عبد الله بن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقول إذا استسقى : «اللهم اسق عبادك وبهائمك ، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت» . [ ص: 340 ]

وروى الطبراني ، عن جابر بن عبد الله ، وأنس- رضي الله تعالى عنهم- قالا : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا استسقى قال : «اللهم اسقنا سقيا وادعة نافعة ، تشبع بها الأنفس غيثا ، هنيئا مريئا طبقا مجللا يشبع به بادينا وحاضرنا تنزل به من بركات السماء ، وتخرج لنا به من بركات الأرض وتجعلنا عنده من الشاكرين ، إنك سميع الدعاء» .

وروى الطبراني ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استسقى فقال : «[اللهم] اسقنا غيثا مغيثا مريعا طبقا عاجلا غير رائث ، نافعا غير ضار» فما لبثنا أن مطرنا حتى سال كل شيء حتى أتوه فقالوا : قد غرقنا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «اللهم حوالينا ولا علينا» .

التالي السابق


الخدمات العلمية