سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الرابع في سيرته- صلى الله عليه وسلم- في غسل الميت ، وتكفينه

وفيه نوعان :

الأول في غسل الميت والكفن ، وبزاقه على بعض أصحابه- صلى الله عليه وسلم- .

روى الأئمة ، والدارقطني ، عن أم عطية- رضي الله تعالى عنها- قالت : «دخل علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- . حين توفيت ابنته ، فقال : «اغسلنها ثلاثا ، أو خمسا ، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا ، أو شيئا من كافور ، وابدأن بميامنها ، ومواضع الوضوء منها ، فإذا فرغتن فآذنني» ، قال : فضفرنا شعرها ثلاثة قرون ، فألقيناه خلفها ، فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه فقال : «أشعرنها إياه» .

وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن ليلى الثقفية- رضي الله تعالى عنها- قالت : «كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند وفاتها ، فكان أول ما أعطانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحقاء ، ثم الدرع . ثم الخمار ثم الملحفة ، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر ، قالت ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند الباب معه كفنها يناولنا ثوبا ثوبا» .

وروى الشيخان ، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : «أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن أبي بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه ، وألبسه قميصه» .

وروى الإمام أحمد برجال ثقات- والرجل المبهم لم يسم- عن شيخ من قيس ، عن أبيه ، قال : جاءنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعندنا بكرة صعبة لا يقدر عليها ، فدنا منها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمسح ضرعها ، فحفل ، فاحتلب قال : فلما مات أبي جاء وقد شددته في كفنه ، وأخذت سلاءة فشددت بها الكفن ، فقال : «لا تعذب أباك بالسلاء» ثم كشف عن صدره ، وألقى السلاء ثم بزق على صدره ، حتى رأيت بياض رضاض بزاقه على صدره» .

الثاني : فيمن غسله النبي- صلى الله عليه وسلم- بيده ، وكفنه وصلى عليه ، وأدخله قبره .

روى عبد بن حميد ، والحارث بن أبي أسامة- بسند ضعيف- عن عبد الله بن أوفى [ ص: 359 ] - رضي الله تعالى عنه- قال : «كان بالمدينة مقعد ، فقال لأهله ضعوني على طريق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى مسجده ، قال : فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا اختلف إلى المسجد سلم على المقعد ، فجاء أهل المقعد ، ليردوه إلى أهله فقال : لا والله لا أبرح من هذا المكان . ما عاش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فابنوا لي خصا ، فكان المقعد فيه ، فكان كلما مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل وسلم على المقعد ، وكلما أصاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طرفة طعام بعث بها إلى المقعد ، قال : فبينما نحن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذ أتى آت فنعى له المقعد ، فنهض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونهضنا معه حتى دنا من الخص ، قال لأصحابه : «لا يقربن أحد من الخص غيري ، فدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الخص ، فإذا جبريل قاعد عند رأس المقعد فقال جبريل : «يا رسول الله ، أما إنك لو لم تأتنا لكفيناك أمره ، فأما إذا جئت فأنت أولى به ، فقام إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فغسله بيده وكفنه ، وصلى عليه وأدخله القبر» .

التالي السابق


الخدمات العلمية