سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الخامس : فيما كان يقوله- صلى الله عليه وسلم- إذا مر عليه بجنازة .

روى الإمامان : مالك ، وأحمد ، والشيخان ، والنسائي ، عن أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مر عليه بجنازة فقال : «مستريح ومستراح منه» ، فقالوا : يا رسول الله : ما المستريح ؟ وما المستراح منه ؟ فقال : «العبد المؤمن يستريح من تعب الدنيا ، وأذاها إلى رحمة الله تعالى ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد ، والشجر والدواب» ،

والله تعالى أعلم .

تنبيهات

الأول : قال أكثر الصحابة ، والتابعين باستحباب القيام للجنازة ، كما نقله ابن المنذر ، وهو قول الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، ومحمد بن الحسن .

وقال الشعبي ، والنخعي : يكره القعود قبل أن توضع .

فقد روى البخاري ، عن عامر بن ربيعة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «إذا رأى أحدكم جنازة ، فإن لم يكن ماشيا معها فليقم حين يراها حتى يخلفها أو تخلفه ، أو توضع قبل أن تخلفه» .

وروى أيضا عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا رأيتم الجنازة فقوموا ، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع» .

الثاني : قوله إن للموت فزعا :

قال القرطبي : أي : إن الموت يفزع منه ، إشارة إلى استعظامه ، ومقصود الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت ، فمن ثم [ ص: 364 ] استوى فيه كون الميت مسلما ، أو غير مسلم .

وقال غيره فجعل نفس المؤمن فزعا مبالغة ، كما يقال : «رجل عدل» ، قال البيضاوي : هو مصدر جرى مجرى الوصف للمبالغة ، وفيه تقدير . أي : الموت ذو فزع . انتهى .

ويؤيد الثاني

رواية أبي سلمة ، عن أبي هريرة بلفظ «إن للموت فزعا» ، رواه ابن ماجه وعن ابن عباس مثله عند البزار ، وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلق من أجلها ويضطرب ، ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة .

وقوله في الرواية الأخرى أليست نفسا ؟ لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال : إن للموت فزعا ، وقد أتى أن الرواية الأخرى إنما قمنا للملائكة ، ونحوه لأحمد من حديث أبي موسى ولأحمد ، وابن حبان ، والحاكم ، من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : «إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس ، ولفظ ابن حبان «إعظاما لله» يقبض الأرواح ، فإن ذلك أيضا لا ينافي التعليل السابق ، لأن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله تعالى ، وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك ، وهم الملائكة .

الثالث : روى الإمام أحمد من حديث الحسن بن علي ، قال : «إنما قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تأذيا بريح اليهودي» زاد الطبراني من حديث عبد الله بن عياش بالتحتية والمعجمة . فأذاه ريح بخورها فقام حتى جازته .

وللطبراني ، والبيهقي من وجه آخر عن الحسن : كراهية أن تعلو رأسه وهذه الأحاديث لا تعارض الأخبار الأولى الصحيحة .

أما أولا : فلأن إسنادها لا تقاوم تلك في الصحة . وأما ثانيا : فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي ، والتعليل الماضي صريح من حديث النبي- صلى الله عليه وسلم- فكأن الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه ، فعلل باجتهاده ، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت قال : «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فطلعت جنازة ، فلما رآها قام وقام أصحابه حتى بعدت ، والله ما أدري من شأنها أو من تضايق المكان ، وما سألناه عن قيامه» .

الرابع : اختلف أهل العلم في هذه المسألة :

فذهب الشافعي إلى أنه غير واجب ، فقال : هذا إما أن يكون منسوخا أو يكون قام لعلة ، [ ص: 365 ] وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله ، والحجة في الآخر من أمره والقعود أحب إلي .

وأشار بالترك إلى حديث علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه- ، «أنه- صلى الله عليه وسلم- قام للجنازة ، ثم قعد» رواه مسلم ، ورواه البيهقي ، بلفظ «أن عليا أشار إلى قوم قاموا : أن اجلسوا ، ثم حدثهم بالحديث» ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة ، منهم : سليم الرازي ، وغيره ، وقد ورد النهي عنه ، روى أحمد ، وأصحاب السنن ، إلا النسائي قال : «كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يقوم للجنازة فمر به حبر من اليهود فقال : هكذا نفعل : فقال : «اجلسوا وخالفوهم» ، وإسناده ضعيف .

قال القاضي ذهب جمع من السلف : إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع ، وهو هنا ممكن ، قال : والمختار أنه مستحب وبه قال المتولي وقال ابن الماجشون : «كان قعوده- صلى الله عليه وسلم- لبيان الجواز ، فمن جلس فهو في سعة ، ومن قام فله أجر» .

الخامس في بيان غريب ما سبق .

الزق- بزاي مكسورة ، فقاف : وعاء من جلد- يجز شعره ، ولا ينتف نتف الأديم .

القصد- بقاف ، فصاد ، فدال مهملتين : عدم الإفراط والتفريط .

معرور- بميم مفتوحة ، فعين مهملة ساكنة ، فراءين بينهما واو : لا سرج عليه ، ولا غيره .

عقله بعين مهملة ، فقاف ، فلام مفتوحات .

يتوقص- بفوقية فواو ، فقاف مفتوحات فصاد مهملة : ينزو .

الكآبة- بكاف- فألف ، فهمزة ممدودة ، فموحدة ، فتاء تأنيث .

مأزورات- بميم مفتوحة فهمزة ساكنة فزاي ، فواو فراء فألف فتاء : آثمات .

الآجام : بهمزة ممدودة فجيم مفتوحة فألف .

الصمات- بصاد مهملة مضمومة ، فميم فتاء : السكوت . [ ص: 366 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية