سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الرابع : في سحوره وتأخيره إياه :

روى الإمام أحمد والنسائي عن عبد الله بن الحارث ، عن رجل من الصحابة ، والنسائي عن أبي هريرة قال : دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يتسحر ، فقال : «إن السحور بركة ، أعطاكم الله إياها ، فلا تدعوها» .

وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن حبان ، عن العرباض بن سارية- رضي الله تعالى عنه- دعاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى السحور في رمضان فقال : «هلم إلى الغداء المبارك» .

وروى أبو الحسن بن الضحاك ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «أمرنا معشر الأنبياء أن نؤخر سحورنا» .

وروى الإمام أحمد ، وابن ماجه ، والشيخان ، والترمذي والنسائي عن أنس عن زيد بن ثابت قال : «تسحرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قمنا إلى الصلاة ، قال أنس بن مالك قلت كم كان قدر ما بينهما قال قدر خمسين آية» .

وروى النسائي عنه ، قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وذلك عند السحور : «يا أنس إني أريد الصيام أطعمني شيئا» ، فأتيته بتمر وإناء فيه ماء وذلك بعد ما أذن بلال وقال «يا أنس انظر رجلا يأكل معي» ، فدعوت زيد بن ثابت فجاء ، فقال : «إني شربت شربة سويق وأنا أريد الصيام ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «وأنا أريد الصيام» ، فتسحر معه ثم قام فصلى ركعتين ، ثم خرج إلى الصلاة» .

وروى الإمام أحمد ، عن بلال- رضي الله تعالى عنه- قال : «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوذنه بالصلاة ، وهو يريد الصيام ، فشرب ثم ناولني وخرج إلى الصلاة» .

وروى البخاري ، عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال : «كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» .

وروى أحمد بن منيع ، وأبو يعلى ، برجال ثقات ، عن بلال- رضي الله تعالى عنه- قال : [ ص: 418 ] «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوذنه بالصلاة ، وهو يريد الصيام فشرب ، وناولني ، ثم خرج إلى الصلاة» .

وروى البزار من طريق سوار بن مصعب ، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : دخل علقمة بن علاثة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعل يأكل معه فجاءه بلال فدعاه إلى الصلاة فلم يجب ، فرجع فمكث في المسجد ما شاء الله ، ثم رجع فقال : «الصلاة يا رسول الله ، قد والله أصبحت ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «رحم الله بلالا لولا بلال لرجونا أن يرخص لنا ما بيننا وبين طلوع الشمس» قال علي : لولا أن بلالا حلف لأكل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى يقول له جبريل ارفع يدك» .

وروى الطبراني- برجال ثقات- عن عامر بن مطر- رضي الله تعالى عنه- قال :

«تسحرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قمنا إلى الصلاة» .

وروى أبو يعلى- برجال ثقات- عن علقمة بن سفيان الثقفي ، «أنه وفد إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رمضان قال : وكان بلال يأتينا بفطرنا وسحورنا ونحن في قبة قد ضربت لنا في المسجد ، فيأتينا بفطرنا وإنا لمسفرون جدا وإنا لنتمارى في وقوع الشمس لما نرى من الإسفار فيضع عشاءنا بين أيدينا فيقول : «كلوا» فنقول : بلال رده إنا نرى سفرا فيقول : ما جئتكم حتى أكل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم يضع يده في الطعام ، فيلتقم منه ويقول : كلوا ويأتينا بسحورنا وإنا لمستدفئون ونحن نتمارى في الصبح ويقول : كلوا قد كاد الفجر يطلع فنقول : يا بلال قد أصبحنا فيقول : لقد تركت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتسحر فتسحروا» .

وروى الإمام أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول : لا يريد أن يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يريد أن يصوم ، وما صام شهرا متتابعا غير رمضان منذ قدم المدينة» .

وروى النسائي ، عن زر بن حبيش قال : قلت لحذيفة «أي ساعة تسحرت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ؟ قال هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع» . [ ص: 419 ]

الخامس : في إتمامه الصوم إذا رأى الهلال يوم الثلاثين :

روى الدارقطني ، والبيهقي ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- : قالت «أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صائما صبح ثلاثين يوما فرأى هلال شوال نهارا فلم يفطر حتى أمسى» .

تنبيهات

الأول : قال في الهدي : «وإنما خص- صلى الله عليه وسلم- الفطر بما ذكر لأن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله ، وانتفاع القوى به ، لا سيما القوة الباصرة وحلاوة المدينة التمر ، ومرباهم عليه وهو عندهم قوت وأدم ، ورطبه فاكهة وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس ، فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده ، ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ بشرب قليل من الماء ، ثم يأكل بعده .

الثاني : في بيان غريب ما سبق :

السحور- بفتح السين المهملة : ما يتسحر به من الطعام ، والشراب .

الجدح- بجيم ثم دال مهملة ثم حاء مهملة : خلط الشيء بغيره ، والمراد خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوي ، ومعنى الحديث : أنه- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا صياما ، فلما غربت الشمس أمره- صلى الله عليه وسلم- بالجدح ليفطروا ، فرأى المخاطب آثار الضياء والحمرة التي تبقى بعد غروب الشمس ، فظن أن الفطر لا يحصل إلا بعد ذهاب ذلك ، واحتمل عنده أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يرها فأراد تذكيره وإعلامه ، ويؤيد هذا قوله : «إن عليك نهارا لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار يجب صومه» ، وهو معنى في الرواية الأخرى : لو أمسيت ، وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده أن ذلك نهار يحرم الأكل فيه ، مع تجويزه أنه- صلى الله عليه وسلم- لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرا تاما فقصد زيادة الإعلام ببقاء الضوء قاله النووي .

النشر : بنون مفتوحة ، فمعجمة ساكنة فزاي : المكان المرتفع ، وجبت الشمس : غابت .

حسا- بحاء ، فسين مهملتين مفتوحتين : شرب ، والحسوة بالضم : الجرعة من الشراب ، بقدر ما يحسى مرة واحدة ، وبالفتح : المرة .

الظمأ- بظاء معجمة مشالة فميم فهمزة العطش .

الأبرار- بهمزة مفتوحة ، فموحدة ساكنة ، فراءين بينهما ألف جمع بار ، وكثيرا ما يخص بالأولياء والزهاد والعباد .

علاثة- بعين مهملة مضمومة ، فلام ، فألف فمثلثة : سمن وأقط يخلط وكل شيئين خلطا .

[ ص: 420 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية