سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الرابع في كناه صلى الله عليه وسلم زاده شرفا وفضلا لديه

قال الإمام العلامة أبو السعادات مجد الدين المبارك بن الأثير- رحمه الله تعالى- في كتابه «المرصع» : أما الكنية فأصلها من الكناية، وهي أن يتكلم بالشيء ويريد غيره، تقول كنيت وكنوت بكذا وعن كذا كنية وكنية والجمع الكنى، واكتنى فلان بأبي فلان وفلان يكنى بأبي الحسن، وكنيته أبا زيد وبأبي زيد، يخفف ويثقل والتخفيف أكثر. وفلان كني فلان، كما تقول: سميه: إذا اشتركا في الاسم والكنية. وإنما جيء بالكنية لاحترام المكنى بها وإكرامه وتعظيمه كيلا يصرح في الخطاب باسمه. ومنه قوله:


أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوأة اللقب

هذا مختص بالإنسان دون غير وهو الأصل.

ولقد بلغني أن أصل سبب الكنى في العرب أنه كان ملك من ملوكهم الأول ولد له ولد توسم فيه أمارة النجابة فشغف به فلما نشأ وترعرع وصلح لأن يؤدب أدب الملوك أحب أن يفرد له موضعا بعيدا من العمارة يكون فيه مقيما يتخلق بأخلاق مؤدبيه ولا يعاشر من يضيع عليه بعض زمانه، فبنى له في البرية منزلا ونقله إليه ورتب له من يؤدبه بأنواع من الآداب العلمية والملكية وأقام له ما يحتاج إليه من أمر دنياه، ثم أضاف إليه من هو من أقرانه وأضرابه من أولاد بني عمه وأمرائه ليؤنسوه ويتأدبوا بآدابه ويحببوا إليه الأدب بموافقتهم له عليه. وكان الملك في رأس كل سنة يمضي إلى ولده ويستصحب معه من أصحابه من له عند ولده ولد ليبصروا أولادهم، فكانوا إذا وصلوا إليهم سأل ابن الملك عن أولئك الذين جاءوا مع أبيه ليعرفهم فيقال له: هذا أبو فلان وهذا أبو فلان، يعنون آباء الصبيان الذين عنده فكان يعرفهم بإضافتهم إلى أبنائهم، فمن هنالك ظهرت الكنى في العرب.

ثم ذكر ابن الأثير - رحمه الله تعالى- فوائد تتعلق بالكنى ليس هذا الكتاب محلا لها وقد ذكرتها مع زيادات أخرى في كتابي «سفينة السلامة » .

إذا علمت ذلك: فللنبي صلى الله عليه وسلم عدة كنى وهي:

«أبو القاسم »

صلى الله عليه وسلم. وهو أشهرها.

روى الشيخان عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بالبقيع فسمع قائلا يقول: يا أبا القاسم فرد رأسه إليه فقال الرجل: يا رسول الله إني لم أعنك إنما دعوت فلانا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإني. [ ص: 537 ]

جعلت قاسما أقسم بينكم
.

وظاهر هذا الحديث أنه إنما كني صلى الله عليه وسلم أبا القاسم لذلك.

وقال العزفي والوزير أبو الحسن سلام بن عبد الله الباهلي رحمهما الله تعالى في كتابه «الذخائر والأعلاق في آداب النفوس ومكارم الأخلاق » : لأنه صلى الله عليه وسلم يقسم الجنة بين أهلها يوم القيامة. قال الشيخ- رحمه الله تعالى-: والذي جزم به الجماهير من أهل السير أنه إنما كني بابنه القاسم. وهو أول أولاده صلى الله عليه وسلم ولادة ووفاة وسيأتي الكلام على تكني غير النبي صلى الله عليه وسلم بأبي القاسم في الخصائص.

«أبو إبراهيم » :

روى البيهقي في الدلائل عن أنس- رضي الله عنه- أنه لما ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية كاد يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم منه حتى أتاه جبريل فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم.

«أبو الأرامل » :

ذكره ابن دحية وقال: ذكره صاحب الذخائر والأعلاق.

«أبو المؤمنين:

قال الله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وقرأ أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه-: «وهو أب لهم » أي كأبيهم في الشفقة والرأفة والحنو والله تعالى أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية