سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الخامس : في قدر ما كان يقرأ من القرآن في كل ليلة :

روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والبيهقي ، والطبراني ، عن أوس بن حذيفة قال : «قدمنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وفد ثقيف وذكر الحديث وفيه : فأنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بني مالك في قبة له فكان يأتينا في كل ليلة بعد العشاء يحدثنا قائما على رجليه ، حتى يراوح بين رجليه من طول القيام فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه . فقلنا له : لقد أبطأت عنا الليلة فقال : إنه طرأ علي جزئي من القرآن فكرهت أن أجيء حتى أتمه ، قال أوس : سألت أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا : ولفظ الطبراني : كيف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحزب القرآن ؟

قالوا : كان يحزبه ثلاثا وخمسا وسبعا وتسعا ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل من قاف حتى يتمه
.

وروى الطبراني ، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران في كل ليلة .

وروى الإمام أحمد- برجال ثقات- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في كل ليلة ببني إسرائيل والزمر» .

وروى الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن أبي روح الكلاعي قال : «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلاة ، فقرأ فيها ، سورة الروم فتردد في آية ، فلما انصرف قال : «إنه يلبس علينا القرآن إن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء ، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء» .

تنبيهات

الأول : حديث ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قرئ عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرآن [ ص: 504 ] وأنشد شعر ، فقيل يا رسول الله أقرآن وشعر ؟ قال : «نعم» . رواه أبو يعلى من طريق الكلبي وهو متروك

الثاني : قال أبو الحسن الضحاك : أصح طرق الحديث الواردة في صفة قراءته- صلى الله عليه وسلم- حديث أنس وعبد الله بن مغفل .

والجمع بين حديث : أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يرتل ويمد صوته ، وأنه كان يرجع : أن مد الصوت والترتيل لا ينافي الترجيع ، فقد يمد صوته مرجعا ، وأما رواية أنه كان لا يرجع ، فحديث عبد الله بن مغفل في الترجيع أثبت ، ويصح الجمع بينهما بأن يقال : كل واحد من الرواة روى عنه ما سمع . فكان ابن مغفل قد سمع قراءته بالترجيع ، وسمعه غيره يقرأ ولا يرجع ، إذا لا يصح أن يكون النبي- صلى الله عليه وسلم- على حال واحد في قراءته إذ صح عنه أنه كان مرة يجهر بالقراءة ومرة لا يجهر . [ ص: 505 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية