سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : روى الإمام أحمد ويعقوب بن سفيان والبزار وابن حبان والحاكم وصححه الحافظ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمر اللون .

ورواه البيهقي من وجه آخر بلفظ : كان بياضه إلى سمرة وعند الإمام أحمد بسند حسن : أبيض إلى سمرة .

وروى ابن أبي شيبة عن شيخه هوذة والإمام أحمد عن شيخه محمد بن جعفر وأبو نعيم عن روح قالوا : أنبأنا عوف بن أبي جميلة عن يزيد الفارسي رحمه الله تعالى قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فذكرت ذلك لابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال : صفه لي . [ ص: 12 ]

فذكر الحديث : وفيه : أسمر إلى البياض . قال ابن عباس : لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا
.

وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن شيخه هوذة ، وأبو نعيم من طريق الحارث بن أبي أسامة عن شيخه روح ، كلاهما عن عوف عن يزيد . وذكر الحديث ولفظه : أحمر إلى البياض .

قال الحافظ : وتبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة : الحمرة التي تخالط البياض ، وأن المراد بالبياض المثبت : ما تخالطه الحمرة . والمنفي ما لا تخالطه ، وهو الذي تكره العرب لونه وتسميه أمهق .

وقال ابن أبي خيثمة : ولونه صلى الله عليه وسلم الذي لا شك فيه : الأبيض الأزهر ، المشرب من حمرة وإلى السمرة ما ضحى منه للشمس والريح ، وأما ما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر .

وتعقبه بعضهم بأن أنسا لا يخفى عليه أمره حتى يصفه بغير صفته اللازمة له لقربه منه ، ولم يكن صلى الله عليه وسلم ملازما للشمس . نعم لو وصفه بذلك بعض القادمين ممن صادفه في وقت غيرته الشمس لأمكن ، فالأولى حمل السمرة في هذه الرواية على الحمرة التي تخالط البياض ، أي كما سبق في كلام الحافظ .

قلت : قوله أن أنسا لا يخفى عليه . إلخ يقال عليه : قد وصفه أنس بأنه صلى الله عليه وسلم أزهر اللون ليس بالآدم ، كما تقدم أول الباب ، وهو حديث أصح من هذه الروايات . وتابعه غيره على هذه الرواية .

وقال الحافظ أبو الفضل العراقي : في قوله : «أسمر اللون» : هذه اللفظة تفرد بها حميد عن أنس ورواها غيره عنه بلفظ «أزهر اللون» ثم نظرنا من روى صفة لونه صلى الله عليه وسلم غير أنس ، فكلهم وصفوه صلى الله عليه وسلم بالبياض دون السمرة ، وهم خمسة عشر صحابيا .

قلت : سمى أبو الحسن بن الضحاك في كتاب الشمائل منهم : أبا بكر وعمر وعليا وأبا جحيفة وابن عمر وابن عباس وهند بن أبي هالة والحسن بن علي وأبا الطفيل ومخرش الكعبي وابن مسعود والبراء بن عازب وسعد بن أبي وقاص وعائشة وأبا هريرة وذكر أحاديثهم وأسانيدهم العشرة . ثم قال : وما رواه أنس مما يوافق الجمهور أولى وأصح وهو الذي ينبغي أن يرجع إليه ويعول عليه .

وأما رواية أبي يزيد الفارسي : أنه صلى الله عليه وسلم أسمر إلى البياض : فخطأ في الرواية ، والصواب الرواية الثانية . [ ص: 13 ]

الثاني :

وقع في زيادات المسند لعبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل ، عن علي رضي الله تعالى عنه : أبيض شديد الوضح .

وفي حديث أبي هريرة عند البزار ويعقوب بن سفيان بسند قوي : كان صلى الله عليه وسلم شديد البياض . وهذا مخالف لقول أنس أول الباب : وليس بالأمهق . ولرواية مسلم عنه : أبيض مشربا بحمرة : وهما أصح منهما . ويمكن الجمع بحمل ما ذكر على ما تحت الثياب مما لا يلقى الشمس .

الثالث : وقع عند أبي زيد المروزي أحد رواة الصحيح عن أنس : أمهق ليس بالأبيض واعترض الداودي الشارح هذه الرواية . وقال القاضي إنها وهم . وقال : لعل الصحيح رواية من روى أنه ليس بالأبيض ولا بالآدم .

قال الحافظ : وهذا ليس بجيد لأن المراد أنه ليس بالأبيض الشديد البياض ولا الآدم الشديد الأدمة وإنما يخالط بياضه الحمرة . والعرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر .

ولهذا جاء في حديث أنس أي السابق : كان صلى الله عليه وسلم أسمر .

قال الحافظ : وتبين من مجموع الروايات أن رواية المروزي : «أمهق ليس بالأبيض» مقلوبة على أنه يمكن توجيهها بأن المراد بالأمهق الأخضر اللون الذي ليس بياضه في الغاية ولا سمرته ولا حمرته . فقد نقل عن رؤبة أن المهق خضرة الماء فهذا التوجيه على تقدير ثبوت الرواية وقد جاء في عدة طرق أنه صلى الله عليه وسلم كان أبيض .

الرابع : نقل القاضي عن أحمد بن أبي سليمان صاحب سحنون رحمهما الله تعالى أن من قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أسود . يقتل . انتهى .

قال بعضهم : وهذا يقتضي أن مجرد الكذب عليه في صفة من صفاته كفر يوجب القتل . وليس كذلك ، بل لا بد من ضميمة ما تشعر بنقص كما في مسألتنا هذه فإن السواد مفصول .

التالي السابق


الخدمات العلمية