سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثاني في شرائه وبيعه صلى الله عليه وسلم

وفيه أنواع :

الأول : في بيعه :

روى البخاري عن جابر -رضي الله عنه- قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا من أصحابه أعتق غلاما له عن دبر ولم يكن له مال غيره ، فباعه بثمانمائة درهم ثم أرسل ثمنه إليه .

وروى مسلم والأربعة عنه ، قال : جاء عبد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة ، ولم يشعر صلى الله عليه وسلم أنه عبد ، فجاء سيده يريده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنيه ، فاشتراه بعبدين أسودين ، ثم لم يبايع أحدا بعد ذلك حتى يسأله «أعبد هو» ؟

وروى البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني عن عبد المجيد بن وهب -رحمه الله تعالى- قال : قال لي العداء بن خالد -رضي الله تعالى عنه- ألا أقرؤك كتابا كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اشترى منه عبدا أو أمة ، لا داء ولا غائلة ، ولا خبثة ، بيع المسلم المسلم .

الثاني : في ذكر من اشتراه صلى الله عليه وسلم :

روى الأربعة وصححه الترمذي عن سويد بن قيس -رضي الله تعالى عنه- قال : جلبت أنا ومخرمة العبدي برا من هجر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فساومنا من شراء سراويل ، وعندنا وزان يزن بالأجر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان : زن وأرجح .

وروى الإمام أحمد وابن ماجه وأبو داود والنسائي عن أبي صفوان مالك بن عميرة -رضي الله تعالى عنه- قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر ، فاشترى مني رجل سراويل فأرجح لي .

وروى الطبراني برجال ثقات ، والإمام أحمد وأبو داود ، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى عيرا قدمت فربح فيها أوقية فتصدق بها على أرامل بني [ ص: 7 ] عبد المطلب وقال : «لا أشتري شيئا ليس عندي ثمنه» .

وروى ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على بكر صعب لعمر ، فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده ، ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : «بعنيه» ، قال : هو لك يا رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بعنيه» ، فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «هو لك يا عبد الله بن عمر ، تصنع به ما شئت» .

وروي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت على جمل [لي قد أعيا ، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فضربه ، فسار سيرا ليس يسير مثله] ، ثم قال : «بعنيه بوقية» ، قال : فبعته ، فاستثنيت حملانه إلى أهلي ، فلما قدمت المدينة أتيته بالجمل ونقدني ثمنه] .

وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح وعبد بن حميد والحاكم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الأعراب جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذخرة -والذخرة العجوة- فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فقال له يا عبد الله ، إنا قد ابتعنا منك جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذخرة ، فالتمسنا فلم نجد ، قال : فقال الأعرابي ، واغدراه واغدراه! فاتهمه الناس وقالوا : قاتلك الله! أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي لفظ : بل أنت يا عدو الله أغدر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوه؛ فإن لصاحب الحق مقالا ، ثم دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا عبد الله ، إنا ابتعنا جزائرك ، ونحن نظن عندنا ما سمينا لك فالتمسناه فلم نجده ، فقال الأعرابي واغدراه ، فاتهمه الناس ، وقالوا : قاتلك الله! أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوه؛ فإن لصاحب الحق مقالا ، فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا ، فلما رآه لا يفقه عنه ، قال لرجل من أصحابه : اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية ، فقل لها : رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك : إن كان عندك وسق تمر من تمر الذخرة فأسلفيناه ، حتى نؤديه إليك إن شاء الله ، فذهب إليها الرجل ، ثم رجع الرجل ، فقال : قالت : نعم ، هو عندي يا رسول الله ، فابعث من يقبضه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل : اذهب فأوفه الذي له ، قال : فذهب به ، فأوفاه الذي له ، قالت : فمر الأعرابي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه ، فقال : جزاك الله خيرا فقد أوفيت وأعطيت وأطيبت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خيار عباد الله عند الله الموفون المطيبون .

[ ص: 8 ] الثالث : في اختياره صلى الله عليه وسلم موضع السوق

روى الطبراني من طريق الحسن بن علي بن الحسن بن أبي الحسن البراد -يحرر حاله- عن أبي أسيد -رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي ، يا رسول الله ، إني قد رأيت موضعا للسوق ، أولا تنظر إليه ؟ قال : بلى ، فقام معه حين جاء موضع السوق ، فلما جاءه أعجبه ، وركضه برجله ، وقال : نعم سوقكم ، فلا ينقض ولا يضربن عليكم خراج .

ورواه ابن ماجه بلفظ : ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق النبيط فنظر إليه ، وقال : ليس لكم هذا بسوق ، ثم ذهب إلى سوق ، فقال : هذا ليس لكم بسوق ، ثم رجع إلى هذا السوق فطاف فيه ، ثم قال : هذا سوقكم ، فلا ينتقض ولا يضرب عليه خراج .

الرابع : في دخوله صلى الله عليه وسلم السوق ، وما كان يقوله إذا دخله ، ووعظه أهله :

وروى أبو بكر أحمد بن عمر وابن أبي عاصم في كتاب البيوع والحاكم في المستدرك والطبراني عن بريدة -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل السوق ، قال : «بسم الله» وفي لفظ : إذا خرج إلى السوق ، قال : «اللهم إني أسألك من خير هذا السوق وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ، اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرا وصفقة خاسرة» .

وروى الطبراني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى جماعة من التجار ، فقال : يا معشر التجار ، فاستجابوا له وأمدوا أعناقهم ، فقال : «إن الله تعالى باعثكم يوم القيامة فجارا إلا من صدق وبر وأدى الأمانة» .

وروى الطبراني برجال ثقات إلا محمد بن إسحاق الغنوي -فيحرر حاله- عن واثلة بن الأسقع -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلينا وكنا تجارا ، وكان يقول يا معشر التجار ، إياكم والكذب .

وروى الطبراني عن طريق محمد بن أبان الحنفي ، عن بريدة -رضي الله تعالى عنه- [ ص: 9 ] قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى السوق قال : «اللهم إني أسألك من خير هذه السوق وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ، اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرة أو صفقة خاسرة» ، وفي رواية : اللهم إني أعوذ بك من شر هذه السوق ، وأعوذ بك من الكفر والفسوق .

وروى ابن ماجه والترمذي ، وقال : حسن صحيح ، عن رفاعة بن رافع -رضي الله تعالى عنه- قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فإذا الناس يتبايعون ، فقال : يا معشر التجار ، فاستجابوا ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه ، فقال : التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله عز وجل وبر وصدق .

وروى الإمام أحمد والأربعة عن قيس بن أبي غرزة البجلي -رضي الله عنه- قال : كنا نبتاع بالمدينة ، وكنا نسمى السماسرة ، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن ، وفي لفظ : فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع ، فقال : «يا معشر التجار» ، فسمانا بأحسن أسمائنا : إن البيع يحضره الحق والكذب ، وفي لفظ : إن الشيطان والإثم يحضران السوق ، وفي لفظ : إن هذه السوق يخالطها اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة .

الخامس : في تعاهده صلى الله عليه وسلم السوق ، ودخوله لحاجة ، وإنكاره على من غش

وروى الطبراني برجال ثقات عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق فرأى طعاما مصبرا ، فأدخل يده فيه ، فأخرج طعاما رطبا قد أصابته السماء ، فقال لصاحبه : ما حملك على هذا ؟ قال : والذي بعثك بالحق إنه لطعام واحد ، قال : أفلا عزلت الرطب على حدته ، واليابس على حدته ، فيبتاعون ما يعرفون ، من غشنا فليس منا .

وروى الطبراني عن أبي موسى- رضي الله عنه قال- انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق البقيع ، فأدخل يده في غرارة ، فأخرج طعاما مختلفا أو قال مغشوشا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس منا من غشنا .

وروى ابن ماجه عن أبي الحمراء -رضي الله تعالى عنه- قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجنبات رجل عنده طعام في وعاء فأدخل يده فيه ، وقال : لعلك غششت ، من غشنا فليس [ ص: 10 ] منا .

وروى الترمذي مرفوعا عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان : إنكم قد وليتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم ، ورواه عنه بسند صحيح موقوفا .

وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في السوق على صبرة طعام ، فسأله كيف تبتاع ؟ فأخبره ، فأوحي إليه أن أدخل يدك فيه ، فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول ، فقال : «ما هذا يا صاحب الطعام» ؟ فقال : يا رسول الله ، أصابته السماء ، قال : «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ، من غشنا فليس منا» .

وروى الإمام أحمد عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام قد حسنه صاحبه ، فأدخل يده فيه ، فإذا هو طعام رديء ، فقال : «بع هذا على حدة وهذا على حدة ، فمن غشنا فليس منا» .

وروى البخاري والترمذي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوق ، فقال رجل : يا أبا القاسم ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنما دعوت هذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «تسموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي» .

وروى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى أتى سوق بني قينقاع ، ثم انصرف . الحديث .

السادس : في اشترائه الحيوان متفاضلا وامتناعهم من التفسير

روى أبو داود عن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين .

وقد روى مسلم وابن ماجه والإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، وقال : حسن صحيح عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي .

[ ص: 11 ] وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح ، عن أبي سعيد ، والطبراني برجال الصحيح ، وأبو داود عن أبي هريرة ، والطبراني عن ابن عباس ، والبزار عن علي ، والطبراني عن أبي جحيفة والطبراني عن فضلة ، والإمام أحمد وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنهم- قالوا : غلا السعر بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، أما تسعر لنا ؟

وفي رواية : قوم لنا سعرنا .

وفي رواية : فقال الناس : يا رسول الله ، سعر .

وفي رواية : أن رجلا جاء ، فقال : يا رسول الله ، سعر ، فقال : بل ادعوا ، ثم جاءه رجل فقال ، يا رسول الله ، هلا تسعر لنا! وفي رواية : أن رجلا جاء فقال : يا رسول الله ، سعر ، فقال : بل ادعوا ، ثم جاءه رجل فقال : يا رسول الله ، سعر ، وفي رواية : لو قومت لنا السعر ، فقال : إن الله تعالى هو المسعر القابض الباسط ، وفي رواية : بل الله يرفع ويخفض ، وفي رواية : إن الله هو المقوم والمسعر ، إني لأريد أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في عرض ، وفي رواية : ولا نفس ولا مال ، وفي رواية : لا يسألني الله تعالى عن سنة أحدثتها عليكم لم يأمرني بها ، ولكن أسأل الله تعالى من فضله .

التالي السابق


الخدمات العلمية