سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
[ ص: 25 ] جماع أبواب سيرته -صلى الله عليه وسلم- في الهدايا والعطايا والإقطاعات

الباب الأول في سيرته -صلى الله عليه وسلم- في الهدية

وفيه أنواع :

الأول : في أمره صلى الله عليه وسلم بالتهادي :

روى إبراهيم الحربي وأبو بكر أحمد بن أبي عاصم في (كتاب الأموال) عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الهدية تذهب وحر الصدر .

الثاني : في قبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ولو قلت وإثابته عليها

روى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها .

وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه ابن سعد عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت عليه لأجبت» وفي لفظ «إذا دعيت إلى ذراع» وفي لفظ «إلى كراع لأجبت» ورواه البخاري عن أبي هريرة .

وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح وابن سعد عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال : كانت أمي وفي لفظ «أختي» تبعثني بالهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي لفظ : بالشيء فيقبلها مني .

وروى الطبراني عنه قال : بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب فأكلته ، فقالت أمي : هل أتاك عبد الله بقطف ؟ قال : لا ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآني قال : «غدر غدر» .

ورواه تمام بن محمد الرازي بلفظ : «بقطف من العنب ، فناولت منه فأكلته قبل أن أبلغه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما جئته مسح على رأسي ، وقال : «يا غدر!» .

[ ص: 26 ] وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن سرجس -رضي الله تعالى عنه- قال : كانت أختي ربما تبعثني بالشيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطرقه إياه فيقبله مني .

وروى الإمام أحمد والبزار عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن أعرابيا أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فأثابه عليها ، قال ، أرضيت ؟ قال : لا ، فزاده ، قال : أرضيت ؟ قال : لا ، فزاده ، قال : أرضيت ؟ قال : نعم .

وروى أبو يعلى برجال الصحيح وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي عاصم بسند صحيح عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن رجلا كان يلقب حمارا ، وكان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم العكة من السمن ، والعكة من العسل ، فإذا جاء صاحبها يتقاضاه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : يا رسول الله ، أعط هذا ثمن متاعه فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يتبسم ، أو يأمر به فيعطى .

وروى الطبراني عن أم سلمة والإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى والبزار عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت أم سنبلة : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية وقالت عائشة : أهدت أم سنبلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا فلم تجده ، فقلت لها : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نأكل من طعام الأعراب ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه ، فقال : «ما هذا معك يا أم سنبلة» فقالت : لبنا أهديته لك يا رسول الله ، فقال : «اسكبي أم سنبلة» فسكبت ، فنادى عائشة ، فناولها فشربت فقال : «اسكبي أم سنبلة» فسكبت فناولته رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب ، فقالت عائشة : فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبن أسلم ، ثم قالت : قد كنت حدثت أنك قد نهيت عن طعام الأعراب ، فقال : يا عائشة ، هم ليسوا بأعراب ، هم أهل باديتنا ، ونحن أهل حاضرتهم ، وإذا دعوا أجابوا ، فليسوا بأعراب .

زاد الطبراني : وأعطاها كذا وكذا واديا وزودا ، فاشترى عبد الله بن حسن الوادي منهم .

وروى الطبراني برجال الصحيح عن عياض بن عبد الله ، عن أبيه -رضي الله تعالى عنه- قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل عكة من عسل ، فقبلها وقال : احم شعبي ، فحماه ، وكتب له كتابا .

[ ص: 27 ] وروى عبد الرزاق عن زيد بن أسلم مرسلا قال : لقي النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تخرج من عند عائشة ، ومعها شيء تحمله ، فقال لها : طعاما هذا ؟ قالت : أهديت لعائشة ، فأبت أن تقبله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ألا قبلته منها مرة واحدة ؟ » قالت : يا رسول الله ، إنها محتاجة وإنها كانت أحوج إليه مني ، قال : «فهلا قبلته منها وأعطيتها خيرا» .

وروى الإمام أحمد وابن حبان عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر ، وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية ، فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه» .

وروى ابن أبي شيبة ، عن الربيع بنت معوذ -رضي الله تعالى عنها- قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من رطب وآخر من زغب فأكل منها ، وأعطاني ملء كفي حليا أو ذهبا ، وقال : تحلي به .

وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن الحجاج بن علاط السلمي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار ، ودحية أهدى له بغلة شهباء .

وروى أبو يعلى عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فبعث له امرأة مع ابن لها بشاة ، فحلب ثم قال : انطلق به إلى أمك ، فشربت حتى رويت ، ثم جاء بشاة أخرى فحلب ثم شرب .

الثالث : في قبوله صلى الله عليه وسلم جرة من جماعة من ملوك أهل الكتاب

وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه ، وأهدى له قيصر فقبل منه ، وأهدت له الملوك فقبل منهم .

وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جرة من من ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي أصحابه منها قطعة قطعة ، وأعطى جابرا قطعة ثم عاد فأعطاه قطعة أخرى ، فقال : يا رسول الله لقد أعطيتني ، فقال : هذا لبنات عبد الله ، يعني أخواته .

[ ص: 28 ] وروى أحمد ومسلم عن البراء بن عازب قال : أهدى البدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من سندس ، وكان ينهى عن الحرير ، فعجب الناس منها ، فقال : والذي نفسي بيده ، إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا .

وروى الحارث بن أبي أسامة والبزار والطبراني وابن خزيمة وإبراهيم الحربي وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي شيبة بسند صحيح عن بريدة -رضي الله تعالى عنه- قال : أهدى أمير القبط إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاريتين أختين ، وبغلة ، فكان يركب البغلة بالمدينة ، واتخذ إحدى الجاريتين لنفسه ، فولدت له إبراهيم ، ووهب الأخرى لحسان بن ثابت ، فولدت له محمدا .

وروى البزار عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن ملك ذي يزن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جرة من من فقبلها .

وروى الطبراني برجال ثقات عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : أهدى المقوقس ملك القبط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة عيدان شامية ومرآة ومشطا .

وروى البزار عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : أهدى المقوقس لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير .

وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال : كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من حلة السيراء ، أهداها له فيروز .

وروى البخاري عن أبي حميد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء ، وكساه بردا ، وكتب له ببحرهم .

ورواه مسلم بلفظ : جاء رسول صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب ، وأهدى له بغلة بيضاء ، فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهدى له بردا .

وروى إبراهيم الحربي في كتاب هدي الأموال عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : أهدى يوحنا بن رؤبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء .

وروى أبو داود عن أنس -رضي الله [ ص: 29 ] عنه- أن ملك الروم أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس ، كما تقدم في رواية أحمد ومسلم : وشيقة ، فليحرر .

الرابع : في رده صلى الله عليه وسلم الهدية لأمير ، وسيرته في هدية الأمراء ، وعدم قبوله الصدقة

وروى الإمامان الشافعي وأحمد والشيخان عن الصعب بن جثامة -رضي الله تعالى عنه- أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء ، أو بودان فرده عليه ، فلما رأى ما في وجهه ، وفي رواية : ما في وجهي من الكراهة ، قال : «ليس بنا رد عليك» وفي رواية «إنا لم نرده إليك إلا أنا حرم» .

وروى الإمام أحمد عن عائشة -رضي الله تعالى عنه- أنه قد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشيقة ظبي فردها ، ولم يأكلها .

وروى الشيخان عن أبي حميد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- قال : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له : ابن اللتبية ، فلما قدم ، قال : هذا لكم ، وهذا أهدي إلي ، قال : فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه ، فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفسي بيده ، لا يأخذ منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه : اللهم هل بلغت . ثلاثا .

وروى ابن سعد عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- وعون بن عبد الله عن حبيب بن عبيد الرجي ، ورشيد بن مالك ، قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أو غيره ، قال : صدقة أم هدية ؟ فإن قيل : من صدقة صرفها إلى أهل الصدقة ، أو قال : كلوا ولم يأكل ، وإن قيل : هدية أمر بها ، فوضعت ثم أهدى أهل الصدقة منها . ولفظ أبي هريرة : قبل الهدية ولم يقبل الصدقة .

وتقدمت قصة سلمان في أوائل الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية