سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الخامس : في رده صلى الله عليه وسلم هدية المشركين

وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وأبو بكر وأحمد بن عمر بن أبي عاصم في كتاب (الهدايا) عن عياض بن حمار المجاشعي -رضي الله تعالى عنه- وكان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة قبل أن يبعث ، فلما بعث أهدى إليه هدية أحسبها إبلا ، فأبى أن يقبلها ، وقال : إنا لا نقبل زبد المشركين ، قال : قلت : وما زبد المشركين ؟ قال : رفدهم ، هديتهم .

[ ص: 30 ] وفي لفظ : أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة أو هدية ، فقال لي : أسلمت ؟ قلت : لا ، قال : إني نهيت أن أقبل زبد المشركين .

وروى موسى بن عقبة -رضي الله تعالى عنه- بسند رجاله ثقات ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، ورجاله من أهل الكتاب مرسلا ، أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فأهدى له فقال : إني لا أقبل هدية المشركين .

وروى البزار عن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة رضي الله تعالى عنه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية فقال : إنا لا نقبل هدية المشرك .

وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن عراك بن مالك أن حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه- قال : كان محمد أحب رجل في الناس إلي في الجاهلية ، فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر ، فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين دينارا؛ ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة ، فأراده على قبضها هدية فأبى ، قال عبيد الله : حسبت أنه قال : إنا لا نقبل شيئا من المشركين ، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن ، فأعطيته إياها حين أبى الهدية .

زاد الطبراني : فلبسها فرأيتها عليه على المنبر فلم أر شيئا أحسن منه فيها يومئذ ، ثم أعطاها أسامة بن زيد ، فرآها حكيم على أسامة ، فقال : يا أسامة ، أنت تلبس حلة ذي يزن ؟ فقال : نعم ، والله لأنا خير من ذي يزن ، ولأبي خير من أبيه ، فانطلقت إلى أهل مكة أعجبهم بقول أسامة .

السادس : في امتناعه من قبول الهدية من غير قريش والأنصار وثقيف ودوس وأسلم ، وأمره- صلى الله عليه وسلم بعد قصة الشاة المسمومة من أهدى له هدية ولم يثق به أن يأكل منها ، وسؤاله بعض أصحابه أن يهب له دابة أو رقيقا

روى الإمام أحمد والترمذي والحارث بن أبي أسامة والبخاري في الأدب عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : أهدى رجل من بني فزارة ، وفي لفظ : إن أعرابيا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة ، وفي لفظ : بكرة فعوضه ، فسخطه ، وفي لفظ : فعوضه منها ست بكرات فسخطه ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن فلانا أهدى إلي ناقة [ ص: 31 ] أعرفها كما أعرف (بعض) أهلي ، ذهبت مني يوم زغابات ، فعوضته ست بكرات ، فظل ساخطا ، لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي .

وفي لفظ : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول «يهدي أحدكم فأعوضه بقدر ما عندي ، ثم يسخطه ، وايم الله لا أقبل بعد عامي هذا هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي» ورواه أبو داود والنسائي مختصرا .

وروى أبو يعلى عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا أقبل هدية من أعرابي» فجاءته أم سنبلة الأعرابية ، الحديث المتقدم أول الباب .

وروى الإمام أحمد والطبراني وابن أبي شيبة عن يعلى بن مرة الثقفي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل : «هب لي هذا البعير أو بعنيه» قال : هو لك يا رسول الله ، فوسمه سمة الصدقة ، ثم بعث به .

التالي السابق


الخدمات العلمية