سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : حاصل الأحاديث السابقة : أن شعره صلى الله عليه وسلم كان جمة وفرة لمة ، فوق الجمة ودون الوفرة عكسه . فالوفرة- بفتح الواو وإسكان الفاء : ما بلغ شحمة الأذن . واللمة- بكسر اللام : ما نزل عن شحمة الأذن ، والجمة- بضم الجيم وتشديد الميم- قال الجوهري رحمه الله تعالى : هي مجتمع شعر الرأس وهي أكثر من الوفرة ما نزل عن ذلك إلى المنكبين .

هذا قول جمهور أهل اللغة وهو الذي ذكره أصحاب المحكم والنهاية والمشارق وغيرهم . واختلف فيه كلام الجوهري . فذكره على الصواب في مادة «لمم» فقال : واللمة- بالكسر : الشعر ، المتجاوز شحمة الأذن ، فإذا بلغت المنكبين فهي الجمة . وخالف ذلك في مادة «وفر» فقال : والوفرة إلى شحمة الأذن ثم الجمة ثم اللمة . وهي التي ألمت بالمنكبين .

انتهى .

وقال الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه الله تعالى : ما قاله في باب الميم هو الصواب [ ص: 18 ] وهو الموافق لقول غيره من أهل اللغة . ولا جمع بين رواية : (فوق الجمة ، ودون الوفرة ) وهي عند الترمذي ، والعكس رواية أبي داود وابن ماجة ، وهي الموافقة لقول أهل اللغة ، إلا على المحمل الذي تؤول عليه رواية الترمذي ، وذلك أنه قد يراد بقوله : «دون» بالنسبة إلى محل وصول الشعر . فرواية الترمذي محمولة على هذا التأويل : أن شعره كان فوق الجمة أي أرفع في المحل . فعلى هذا يكون شعره لمة ، وهو ما بين الوفرة ، والجمة ، وتكون رواية أبي داود وابن ماجة معناها : «كان شعره فوق الوفرة» أي أكثر من الوفرة ودون الجمة أي في الكثرة .

وعلى هذا فلا تعارض بين الروايتين . فروى كل راو ما فهمه من الفوق والدون .

وقال القاضي : والجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه والذي يلي أذنيه وعاتقيه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه . وقيل بل لاختلاف الأوقات فإذا غفل عن تقصير شعره بلغ المنكب وإذا قصره كان إلى أنصاف أذنيه فكان يقصر ويطول بحسب ذلك .

الثاني : قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد : لم يحلق صلى الله عليه وسلم رأسه الشريف إلا أربع مرات . ولهذا مزيد بيان في أبواب زينته صلى الله عليه وسلم ويأتي الكلام على ما شاب من شعره صلى الله عليه وسلم في الباب التاسع .

الثالث :

روى ابن عساكر من طريقين غير ثابتين عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبطا .

وقد تقدم من طريق صحيحة أنه لم يكن بالسبط ولا بالجعد القطط .

الرابع : قال ابن أبي خيثمة في تاريخه : إنما جعل شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه غدائر أربعا ليخرج الأذن اليمنى من بين غديرتين يكتنفانها ويخرج الأذن اليسرى من بين غديرتين يكتنفانها ويخرج الأذنان بياضهما من بين تلك الغدائر كأنهما توقد الكواكب الدرية بين سواد شعره وكان أكثر شيبه صلى الله عليه وسلم في الرأس في فودي رأسه ، والفودان حرفا الفرق ، وكان أكثر شيبه صلى الله عليه وسلم في لحيته فوق الذقن ، وكان شيبه كأنه خيوط الفضة يتلألأ بين ظهري سواد الشعر الذي معه ، إذا مس ذلك الشيب الصفرة- وكان كثيرا ما يفعل- صار كأنه خيوط ذهب يتلألأ بين ظهري سواد الشعر الذي معه .

التالي السابق


الخدمات العلمية