سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
السابع : في اشتراطه صلى الله عليه وسلم حضور بعض أصحابه

روى الطبراني بسند جيد رجاله رجال الصحيح . وفيه انقطاع ، عن صهيب -رضي الله تعالى عنه- قال : صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأتيته وهو في نفر جالس ، فقمت حياله ، فأومأت إليه فأومأ إلي ، وهؤلاء ، قلت : لا ، فسكت ، فقمت مكاني ، فلما نظر إلي أومأت إليه ، فقال : وهؤلاء ، قلت : لا ، مرتين يفعل ذلك أو ثلاثا ، فقلت : نعم ، وهؤلاء ، وإنما كان شيئا يسيرا صنعته له ، فجاؤوا معه فأكلوا . وأحسبه قال : وفضل منه .

وروى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن جارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيا وكان طيب المرق ، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء يدعوه ، فقال : وهذه ؟ لعائشة ، فقال : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، فعاد يدعوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذه ؟ قال : لا ، قال رسول الله : لا ، ثم عاد يدعوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه ؟ قال : نعم ، في الثالثة ، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله .

الثامن : في امتناعه صلى الله عليه وسلم من الدخول في محل الضيافة لأمر شرعي

وروى النسائي وابن ماجه عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى في البيت سترا فيه تصاوير فرجع ، وقال : إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير .

وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي عن أبي عبد الرحمن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا أضاف علي بن أبي طالب ، فصنع له طعاما ، فقالت فاطمة : لو دعونا [ ص: 55 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معنا ، فأرسل ، فجاء فوضع يده على عضادتي الباب ، فإذا قراما قد ضرب في ناحية البيت ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع ، فقالت فاطمة لعلي : اتبعه فقل له : ما رجعك ؟

قال : فتبعته ، فقال : ما رجعك يا رسول الله ؟ فقال : إنه ليس لي أو ليس لنبي أن يدخل بيتا مزوقا .


وروى البخاري وأبو داود عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بيت فاطمة فوجد على بابها سترا موشيا . الحديث .

وروى الإمام أحمد والدارقطني من طريق عيسى بن المسيب ، قال الدارقطني : صالح الحديث ، حدثنا أبو زرعة عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الأنصار ، ودونهم دور لا يأتيها ، فشق ذلك عليهم ، فقالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن في داركم كلبا» ، قالوا : فإن في دارهم سنورا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «السنور سبع» .

التاسع : في وليمته -صلى الله عليه وسلم- على بعض نسائه

وروى البخاري في رواية كريمة وأبو يعلى برجال الصحيح ، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بمدين من شعير .

وروى الطبراني من طريق جرول بن جيفل قال الذهبي : صدوق ، وقال ابن المديني : له مناكير ، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بقدر من هريس .

وروى الطبراني برجال ثقات عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة بتمر وسمن .

وروى الإمام أحمد والطبراني وابن ماجه بسند جيد عن أسماء بنت يزيد بن السكن -رضي الله تعالى عنها- قالت : قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته فدعوته لجلوتها ، فجلس إلى جنبها بعس لبن ثم ناولها ، فخفقت رأسها ، واستحيت فانتهرتها ، وقلت لها : خذي من يد [ ص: 56 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فشربت شيئا ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أعطي تربك ، فقلت : يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه ، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه ، قالت : فجلست ثم وضعته على ركبتي ، ثم طفقت أديره ، وأتبعه بشفتي لأصيب منه مشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لنسوة عندي : ناوليهن ، فقلن : لا نشتهيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تجمعن جوعا وكذبا» .

وروى الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه قال : قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم ، ووصله النسائي وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن عفير عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ، عن حميد ، عن أنس ، وزاد : قلت : بأي شيء ، يا أبا حمزة قال : تمر وسويق .

وروى الطبراني عن سهل بن سعد -رضي الله تعالى عنه- قال أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بتمر وسويق .

عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : لما دخلت صفية بنت حيي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسطاطه حضرنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا عن أمكم ، فلما كان من العشي حضرنا ونحن نرى أن ثم قسما فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي طرف ردائه نحو من مد ونصف من تمر عجوة ، فقال : كلوا من وليمة أمكم .

وروى البخاري عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب ، أولم بشاة . ورواه مسلم بلفظ : ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أولم على زينب ، فقال ثابت : بم أولم ؟ قال : أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه .

وروى الشيخان وأبو يعلى عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا يبنى عليه بصفية بنت حيي ، فقال : من كان عنده فضل زاد فليأتنا به ، فجعل الرجل يأتي بفضل التمر ، وفضل السويق ، حتى جعلوا من ذلك سوادا حيسا ، وفحصت الأرض أفاحيص ، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها ، وجيء بالأقط والسمن ، فشبع الناس من ذلك الحين وشربوا من حياض إلى جنبهم من ماء السماء .

وفي لفظ : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليمة [ ص: 57 ] على صفية ثلاثة أيام ، وبسط نطعا جاءت به أم سليم ، عليه أقط وتمر ، وأطعم الناس ثلاثة أيام .

العاشر : في حضوره صلى الله عليه وسلم أملاك رجال من أصحابه رضي الله تعالى عنهم

وروى الطبراني برجال ثقات غير حازم مولى بني هاشم ، عن لمازة -وليس بابن زبار- عن معاذ -رضي الله تعالى عنه- قال : شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملاك رجل من أصحابه ، فقال : على الخير والبركة والألفة والطائر الميمون والسعة في الرزق ، بارك الله لكم ، دففوا على رأسه ، فجيء بالدف ، فضرب ، فأقبلت الأطباق عليها فاكهة وسكر ، فنشر عليه ، وكف الناس أيديهم ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ألا تنتهبون ؟ قالوا : يا رسول الله ، أولم تنه عن النهبة ؟ قال : إنما نهيتكم عن نهبة العساكر ، فأما العرسات فلا ، فجاذبهم وجاذبوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية