سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الخامس في سيرته -صلى الله عليه وسلم- في الهدي

وفيه أنواع :

الأول : في إشعاره صلى الله عليه وسلم وتقليده هديه وما أهداه

وروى الإمامان الشافعي وأحمد ومسلم والأربعة عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا في حجة الوداع بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ، وسلت الدم عنها بيده ، وفي لفظ : بإصبعه ، وقلدها نعلين .

وروى الشيخان عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنما فقلدها .

وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية هدية فيها جمل أحمر لأبي جهل في أنفه برة من فضة ليغيظ بذلك المشركين .

وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن جابر -رضي الله عنه- قال : أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما .

وروى الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : دخل علينا يوم النحر في حجة الوداع بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ فقيل : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر .

وروى مسلم والإمام أحمد والترمذي عن جابر -رضي الله عنه- قال : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة بقرة يوم النحر .

وروى أبو داود وابن ماجه والنسائي عن عائشة ومسلم عن جابر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى وفي لفظ : نحر ، عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة .

[ ص: 84 ] وروى أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن .

وروى الشيخان عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، ثم أشعرها وقلدها ، ثم بعث بها إلى البيت ، ثم أقام بالمدينة ، فما حرم عليه شيء كان له حلالا .

وروى الشيخان عنها -رضي الله تعالى عنها- قالت : أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه ، ثم بعث بها مع أبي ، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي .

وروى ابن ماجه والترمذي وصحح وقفه عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى هديه من قديد .

الثاني : في أمره صلى الله عليه وسلم بركوب الهدي

يروي الإمامان مالك وأحمد عن أبي هريرة والستة إلا أبا داود عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة ، فقال : اركبها ، فقال : إنها بدنة ، قال : اركبها ثلاثا ، وقال في الثالثة أو الرابعة : اركبها ويلك! أو قال : ويحك! قال أبو هريرة : فلقد رأيته راكبها يساير بها النبي صلى الله عليه وسلم .

الثالث : في سيرته صلى الله عليه وسلم فيما يقطعه من الهدي ومن كان على هديه زاده الله تعالى شرفا وفضلا

وروى مسلم عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- أن ذؤيبا أبا قبيصة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ست عشرة بدنة من بدنه مع رجل ، سماه في رواية أبي ذؤيب «أبا قبيصة» وفي لفظ : كأن يبعث بالبدن ، ثم يقول : إن عطب منها شيء ، فخشيت عليها موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ، ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت . وفي رواية : ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك .

[ ص: 85 ] وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه عن ناجية الخزاعي -رضي الله تعالى عنه وفي لفظ : وكان صاحب بدن ، وفي لفظ : هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال : قلت : كيف أصنع بما عطب من البدن ؟ قال : انحرها واغمس نعلها في دمها ، واضرب به صفحتها ، وخل بين الناس وبينها فليأكلوها .

وروى الإمام أحمد والأربعة عن ناجية الأسلمي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي ، فقال : إن عطب فانحره ثم اصبغ نعله في دمه ، ثم خل بينه وبين الناس .

وروى الإمام أحمد عن عمرو بن خارجة الثمالي -رضي الله تعالى عنه- قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم معي هديا وقال : إذا عطب منها شيء فانحره ، ثم اضرب نعله في دمه ، ثم اضرب به صفحته ولا تأكل أنت ولا أهل رفقتك .

الرابع : في إرساله صلى الله عليه وسلم الهدي وهو مقيم بالمدينة

وروى الإمامان مالك وأحمد والستة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه من عهن كان عندنا ، ولا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم ، يأتي ما يأتي الحلال من أهله .

وروى الإمام أحمد برجال ثقات ، والبزار عن جابر ، والإمام أحمد برجال الصحيح عن عطاء بن يسار ، عن نفر من بني أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا فقد ، وفي لفظ عطاء : «فشق» قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه ، قال جابر : فينظر القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر اليوم على ماء كذا وكذا ، فلبست قميصا ونسيت ، فلم أكن أخرج قميصي من رأسي وكان بعث ببدنة وأقام» .

الخامس : في نحره صلى الله عليه وسلم بيده

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أهدى مائة بدنة نحر منها ثلاثين بدنة بيده ، ثم أمر عليا فنحر ما بقي منها ، وقال : اقسم لحومها وجلالها وجلودها بين الناس ولا تعطين جزارا منها شيئا ، وخذ لنا من كل بعير [ ص: 86 ] حذية من لحم ، ثم اجعلها في قدر واحدة ، حتى نأكل منها ونحسو من مرقها ففعل .

وروى أبو داود عن علي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر بدنا نحر ثلاثين بيده ، وأمرني فنحرت سائرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية