سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الرابع في سيرته -صلى الله عليه وسلم- في النذور

وفيه أنواع :

الأول : في نهيه صلى الله عليه وسلم عن النذور

روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذور ، وقال : إنه لا يقدم شيئا ولا يؤخره ، وإنما يستخرج به من البخيل . وفي لفظ : من اللئيم .

وروى مسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا تنذروا؛ فإن النذر لا يغني من القدر شيئا ، وإنما يستخرج من البخيل» .

الثاني : في سيرته صلى الله عليه وسلم في نذر الطاعات والمباحات

روى الحارث بسند ضعيف عن فاطمة بنت قيس -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا ، فقال : «إن أتاني منه خبر صالح ، لأحمد الله حق حمده» ، فأتاه منهم خبر صالح ، فقال : «اللهم لك الحمد شكرا ، ولك المن فضلا» ، فقال له عمر : إنك قلت : لإن أتاني منهم خبر صالح لأحمدن الله حق حمده ، قال : قد قلت : «اللهم لك الحمد شكرا ، ولك المن فضلا» ورواه الطبراني عن كعب بن عجرة بذلك .

وروى الطبراني عن النواس بن سمعان -رضي الله تعالى عنه- قال : سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لئن ردها الله علي لأشكرن ربي عز وجل» فوقعت في حي من أحياء العرب فيه امرأة مسلمة ، فكانت الإبل إذا سرحت سرحت متوحدة ، فإذا بركت الإبل بركت متوحدة ، واضعة بجرانها ، فركبتها وقدمت بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآها قال : الحمد لله ، فانتظرنا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوما أو صلاة فظنوا أنه قد نسي ، قالوا : يا رسول الله ، إنك قلت : لئن ردها الله علي لأشكرن الله تعالى ، فقال : أولم أقل : الحمد لله .

[ ص: 103 ] وروى أبو داود عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : إن امرأة قالت : يا رسول الله ، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف ، قال أوفي بنذرك .

وروى أبو داود والإمام أحمد واللفظ له عن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح والنبي صلى الله عليه وسلم في مجلس قريب من المقام ، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا رسول الله ، إني نذرت إن فتح الله على النبي وعلى المسلمين مكة لأصلين في بيت المقدس ، وإني قد وجدت رجلا من أهل الشام ههنا في نفر يمشي مقبلا معي ومدبرا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ههنا فصل» ، فقال الرجل قوله ذلك ثلاث مرات ، كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ههنا فصل» ، ثم قالها الرابعة مقالته هذه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اذهب فصل فيه فوالذي بعث محمدا بالحق لو صليت ههنا لقضى عنك كل صلاة صليتها في بيت المقدس» .

الثالث : في سيرته صلى الله عليه وسلم في نذر المعاصي

روى البخاري وأبو داود والدارقطني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا : أبو إسرائيل ، نذر أن يقوم في الشمس ، ولا يقعد ، ويصوم ولا يفطر النهار ، ولا يستظل ولا يتكلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مره فليستظل وليقعد وليتكلم ، وليتم صومه .

وروى الأئمة إلا مالكا ، والدارقطني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا : أبو إسرائيل ، نذر أن يقوم في الشمس ، ولا يقعد ، ويصوم ولا يفطر النهار ، ولا يستظل ولا يتكلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مره فليستظل وليقعد وليتكلم ، وليتم صومه .

وروى الأئمة إلا مالكا ، والدارقطني عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن عمر قال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما ، وفي رواية : ليلة في المسجد الحرام ، فقال : أوف بنذرك .

وروى الجماعة عن عقبة بن عامر -رضي الله تعالى عنه- قال : نذرت أختي أن تمشي إلى البيت الحرام حافية غير مختمرة ، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته ، فقال : [ ص: 104 ] لتمش ولتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام ، إن الله لغني عن تعذيب أختك نفسها ، فلتركب ولتهد بدنة .

ورواه أبو داود عن ابن عباس أن عقبة بن عامر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخته نذرت أن تحج إلى البيت ماشية فشكا إليه ضعفها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله لغني عن نذر أختك فلتركب ولتهد بدنة» .

وروى الإمام أحمد والخمسة عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادي بين ابنيه ، فقال : ما بال هذا ؟ قالوا نذر أن يمشي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله- عز وجل- غني عن تعذيب هذا نفسه فليركب» .

وروى أبو داود عن ثابت بن الضحاك ، وابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا نذر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، قال ابن عباس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فهل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ، قالوا : لا ، قال : هل كان فيها عيد من أعيادهم ، قالوا : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أوف بنذرك» ، فإنه لا وفاء في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم .

وروى الإمام أحمد عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «إني نذرت ناقتي وكيت وكيت ، فقال : أما ناقتك فانحرها ، وأما كيت وكيت فمن الشيطان» .

وروى الإمام أحمد والأربعة عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا نذر في معصية ، وكفارته كفارة يمين» .

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى أعرابي قائما في الشمس ، وهو يخطب ، قال : ما شأنك ؟ قال : نذرت يا رسول الله ، أن لا أزال في الشمس حتى تفرغ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليس هذا بنذر ، إنما النذر ما ابتغي به وجه الله» .

[ ص: 105 ] وروى الإمامان الشافعي وأحمد والستة إلا مسلما عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «من نذر أن يطيع الله فليوف به» وفي لفظ : «فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله ، فلا يف به» .

وروى النسائي عن عمران بن الحصين -رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا نذر في غضب ، وكفارته كفارة يمين» .

وروى الدارقطني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا نذر إلا فيما أطيع الله عز وجل فيه ، ولا يمين في غضب ، ولا عتاق فيما لا يملك» .

وروى الدارقطني عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من جعل لله عليه نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين» .

وروى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كفارة النذر كفارة اليمين . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية