سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات :

الأول : قوله «أتاني ربي» وقوله «فوضع يده» ، وأمثال ذلك فيه مذهبان ، فمذهب السلف : الإيمان به كما ورد وتفويض أمره إلى الله تعالى ، ومذهب الخلف : التأويل بما يليق به تعالى مع اتفاقهم على استحالة ظاهرها عليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، فيتأولون الإتيان بمجيء أمره ونهيه ، واليد بالنعمة ، وما أشبه ذلك من التأويلات اللائقة به تعالى .

الثاني : قوله تعالى «إلى ستمائة» وفي لفظ «إلى سبعمائة ضعف» المضاعفة التكثير ، قال الجوهري : وذكر الخليل أن التضعيف أن يزاد على أصل الشيء فيجعل مثلين ، والحسنة ما يحمد بها الإنسان شرعا ، والمراد بمضاعفتها مضاعفة جزائها في الآخرة لمن جاء بها خالصة مقبولة؛ لأن الله تعالى قال : «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» ولم يقل : «من عمل حسنة» وقد تكون الحسنة لا مضاعفة فيها ، كمن نوى حسنة ولم يفعلها ، وكان رجوعه عنها لعذر ، لا لرغبة عنها .

[ ص: 163 ] وللمضاعفة مراتب .

الأولى : إلى مثليه وهو من أدرك نبيين فآمن بهما جميعا ، وعبد أطاع الله ونصح سيده ، وامرأة أطاعت الله وأحسنت عشرة زوجها .

الثانية : لمن عمل حسنة .

الثالثة : إلى خمسة عشر : ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو بن العاص : «صم يومين ، ولك ما بقي من الشهر» فالحسنة بخمسة عشر .

الرابعة : إلى ثلاثين ففي الحديث نفسه : «صم يوما ولك بها ما بقي من الشهر» فالحسنة بثلاثين .

الخامسة : إلى خمسين؛ ففي الحديث أنه -عليه الصلاة والسلام- قال : من قرأ القرآن فاعتبر به ، فله بكل حرف خمسون لا أقول : الم حرف ، ولكن الألف حرف ، واللام حرف ، والميم حرف .

السادسة : إلى سبعمائة ، وهي النفقة في سبيل الله ، قال تعالى : مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة [البقرة : 261] .

السابعة : إلا ما لا يتناهى ، وهو الصوم؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربه -عز وجل- : «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به» والصبر؛ لقوله تعالى : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [الزمر : 10] وهو يتعدد إلى الصبر على الطاعة ، وإلى الصبر على المعصية ، وإلى الصبر على المصيبة (فإن الصلاة مثلا مشتملة على أنواع من العبادات كالقراءة والتسبيح والخشوع وغير ذلك) .

الثالث : ليس المراد بالحسنة أجزاء العبادات ، وإنما المراد أن الصلاة بكمالها حسنة ، فمن أتى ببعض صلاته لم يدخل في هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية