سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
[ ص: 297 ] التاسع عشر : في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في «الطلاق» «والخلع» «والإيلاء» «والظهار» «واللعان» «وإلحاق الولد» «والعدة» وما يتعلق بذلك .

روى أبو داود والترمذي والدارقطني عن عبد الله بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني طلقت امرأتي البتة ووالله ما أردت إلا واحدة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والله ، ما أردت إلا واحدة ؟ » فقال ركانة : والله ، ما أردت إلا واحدة ، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر ، والثالثة في زمان عثمان .

وروى الدارقطني عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال : طلق بعض الأنصار امرأته ألفا فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إن أبانا طلق أمنا ألفا ، فهل له من مخرج ؟ فقال : «إن أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجا ، بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبعة وتسعون إثما في عنقه»

وقال الدارقطني : رواته مجهولون وضعفاء إلا شيخنا وابن عبد الباقي .

وروى الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- أنه طلق امرأته ، وهي حائض ، فذكر ذلك عمر- رضي الله تعالى عنه- لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه ، ثم قال : «ليراجعها ، ثم يمسكها حتى تطهر وإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [الطلاق : 1] أي قبل عدتهن .

وروى الدارقطني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو ، أن مولاه زوجه ، وهو يريد أن يفرق بينه وبين امرأته ، فحمد الله تعالى ، وأثنى عليه ثم قال : «ما بال قوم يزوجون عبيدهم إماءهم ثم يريدون أن يفرقوا بينهم ؟ ألا إنما يملك الطلاق من أخذ بالساق .

وروى الإمام أحمد وغيره عن أبي ذر والدارقطني عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال قال رجل : يا رسول الله ، أرأيت قول الله تعالى الطلاق مرتان [البقرة : 229] فأين الثالثة قال : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [البقرة : 229] .

وروى الشيخان عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف لا يدخل على بعض أهله شهرا ، فلما مضى تسعة وعشرون يوما- غدا عليهن أو راح- فقيل له : يا نبي الله ، حلفت أن لا تدخل علينا شهرا ، فقال : «إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما» [ ص: 298 ]

وروى البيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قال : أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل على نسائه شهرا الحديث .

وروى الترمذي والبيهقي والدارقطني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ظاهر من امرأته ، فوقع عليها فقال : يا رسول الله ، إني قد ظاهرت من زوجتي ، فوقعت عليها قبل أن أكفر ، فقال : «وما حملك على ذلك ، يرحمك الله» ؟ قال : رأيت خلخلها في ضوء القمر . قال : «فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به» .

وروى ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من الأنصار جاء فقال : لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا ، فتكلم جلدتموه أو قال : قتلتموه ، وإن سكت سكت على غيظ ، والله لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه أو قال : قتلتموه ، أو سكت سكت على غيظ ، فقال : «اللهم افتح» وجعل يدعو ، فنزلت آيتي اللعان : والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم [النور : 6] هذه الآيات فابتلى به ذلك الرجل من بين الناس ، فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فشهد الرجل أربع شهادات بالله ، إنه لمن الصادقين ، ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، فذهبت لتلعن فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مه» فأبت ، فلعنت فلما أدبرا قال «لعلها أن تجيء به أسود جعدا» فجاءت به أسود جعدا .

وروى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ولد لي غلام أسود ، وإني أنكرته ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هل لك من إبل ؟ » قال : نعم ، قال : «فما ألوانها ؟ » قال : حمر ، قال : «هل فيها من أورق ؟ » قال : إن فيها لورقا ، قال : «فأنى ترى ذلك جاءها ؟ » قال : عرق نزعها ، قال : «ولعل هذا عرق نزعه» ! ولم يرخص له في الانتفاء منه .

وروى الإمام أحمد عن مولى آل الزبير قال : إن بنت زمعة قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أبي زمعة مات ، وترك أم ولد له وإنا كنا نظنها برجل ، وإنها ولدت فخرج ولدها يشبه الرجل الذي ظنناها به ، قال : فقال لها : «أما أنت فاحتجبي منه ، فليس بأخيك وله الميراث» .

وروى أبو داود عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : قام رجل فقال : يا رسول الله ، إن فلانا ابني عاهر بأمه في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا دعوة في الإسلام ، ذهب أمر الجاهلية ، الولد للفراش ، وللعاهر الحجر» .

العاهر يعني الزاني والمعنى ، أنه لا حظ للزاني في الولد وإنما هو لصاحب الفراش وهو الزوج أو السيد ، ولها الحجر أي ترجم بالحجارة ، أو ليس لها إلا الحجارة أي ليس له ولا لها [ ص: 299 ] إلا الخيبة ولحوق الولد ، وذكره صلى الله عليه وسلم للحجر استعارة عن الرجم .

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن رافع بن سنان- رضي الله تعالى عنه- أنه أسلم ، وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ابنتي ، وهي فطيم أو شبهه وقال رافع : ابنتي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «اقعد ناحية» وقال لها : «اقعدي ناحية» قال : وأقعد الصبية بينهما ، ثم قال : «ادعواها» فمالت الصبية إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم اهدها» فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها .

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وحجري له حواء ، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت أحق به ما لم تنكحي» .

وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس اختلعت من زوجها فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة .

وروى الإمامان الشافعي وأحمد والبخاري عن المسور بن مخرمة- رضي الله تعالى عنه- أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي ، فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت .

وروى الإمامان الشافعي وأحمد والبخاري عن المسور بن مخرمة- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذوات الأحمال قال : «أجلهن أن يضعن حملهن» .

وروى مسلم عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بامرأة مجح على باب فسطاط فقال : «لعله يريد أن يلم بها» فقالوا : نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره . كيف يورثه وهو لا يحل له ؟ كيف يستخدمه ، وهو لا يحل له ؟ » .

وتحجج بالجيم والحاء المهملة المشددة الحامل التي دنت ولادتها .

وروى البيهقي عن الزبير- رضي الله تعالى عنه- أنه كان عنده أم كلثوم بنت عقبة ، فقالت له ، وهي حامل إني أحب أن تطيب نفسي بتطليق ففعل ، فذهب إلى المسجد فجاء وقد وضعت ما في بطنها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما صنع ، فقال : «بلغ الكتاب أجله ، فاخطبها إلى نفسها» ، فقال خدعتني ، خدعها الله .

وروى مسلم عن سلمة بن عبد الرحمن أن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس [ ص: 300 ] أخبرته ، أن أبا حفص بن المغيرة المخزومي طلقها ثلاثا ، ثم انطلق إلى اليمن ، فقال لها أهله : ليس لك علينا نفقة ، فانطلق خالد بن الوليد في نفر . فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة ، فقالوا : إن أبا حفص طلق امرأته ثلاثا ، فهل لها من نفقة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليست لها نفقة ، وعليها العدة» وأرسل إليها «أن لا تسبقيني بنفسك» وأمرها أن تنتقل إلى أم شريك ، ثم أرسل إليها «أن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون . فانطلقي إلى ابن أم مكتوم الأعمى ، فإنك إذا وضعت خمارك ، لم يرك» فانطلقت إليه . فلما مضت عدتها أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة .

وروى مسلم عن جابر بن عبد الله يقول : طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها : فزجرها رجل أن تخرج . فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «بلى فجدي نخلك . فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا» .

وروى البيهقي عن زينب بنت كعب بن عجرة- رضي الله تعالى عنهما- وكانت تحت سعيد أن أخته الفريعة بنت مالك كانت مع زوجها في قرية من قرى المدينة فتبع أعلاجا ، فقتلوه فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فشكت الوحشة في منزله ، وذكرت أنها في منزل ليس لها ، واستأذنت أن تأتي منزل إخوتها بالمدينة ، فأذن لها ، ثم دعا أو دعيت له ، فقال : «اسكني في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله» .

وروى الشيخان عن زينب بنت أبي سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول : لا ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول» .

وروى الشيخان والبيهقي عن زينب أنها سمعت أم سلمة وأم حبيبة تذكران أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن بنتا لها توفي عنها زوجها ، فاشتكت عينها ، فهي تريد أن تكحلها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة عند رأس الحول ، وإنما هي أربعة أشهر وعشر» .

وروى أبو داود عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة ، وقد جعلت على عيني صبرا ، فقال : «ما هذا يا أم سلمة ؟ » فقلت : إنما هو صبر ليس فيه طيب ، قال : «إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل [ ص: 301 ]

وتنزعيه بالنهار ، ولا تمتشطي بالطيب ، ولا بالحناء ، فإنه خضاب» ، قلت : بأي شيء أمتشط يا رسول الله ؟ قال : «بالسدر تغلفين به رأسك» .


التالي السابق


الخدمات العلمية