سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
العشرون : في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الجنايات والحدود .

روى الإمام أحمد عن مربد بن عبد الله عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآمر والقاتل قال : «قسمت النار سبعين جزءا فللآمر تسع وستون وللقاتل جزء وحسبه» .

وروى الشيخان عن عدي بن الخيار قال : إن المقداد بن عمرو الكندي أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ، ثم لاذ مني بشجرة فقال : أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ قال : «لا تقتله» فقال : يا رسول الله ، إنه قطع إحدى يدي ، ثم قال ذلك بعد ما قطعها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقتله ، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال»

أي إباحة الدم ، لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدم ، فإذا أسلم فقتله أحد فإن قاتله مباح الدم . بحق القصاص ، لأنه بمنزلته في الكفر .

وروى النسائي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن هذا قتل أخي ، قال : «اذهب ، فاقتله كما قتل أخاك» ، فقال له الرجل : اتق الله ، واعف عني ، فإنه أعظم لأجرك ، وخير لك ولأخيك يوم القيامة ، قال : «فخلى عنه» ، قال : فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره بما قال له قال : فأعنفه أما إنه كان خيرا مما هو صانع بك يوم القيامة يقول : يا رب سل هذا فيم قتلني .

وروى البيهقي عن ابن حارثة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا ضرب رجلا على ساعده .

وروى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- وزيد بن خالد الجهني قالا : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ قال : «إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها» . ثم بيعوها ولو بضفير .

وروى الإمام أحمد عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه زنى بامرأة سماها فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال فأنكرت فحده وتركها .

وروى مسلم عن بريدة بن الحصيب- رضي الله تعالى عنه- قال : أتى ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، طهرني ، فقال : «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» ، قال [ ص: 302 ] فرجع غير بعيد ، ثم جاء فقال : يا رسول الله ، طهرني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، حتى إذا كانت الرابعة ، قال له رسول الله : «مم أطهرك ؟ » قال : من الزنا ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبه جنون ؟ فأخبر أنه ليس بمجنون ، فقال : أشرب خمرا ؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر ، فقال : أزنيت ؟ قال : نعم ، فأمر به فرجم ، فلبثوا يومين أو ثلاثة ، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «استغفروا لماعز بن مالك ، لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم» ، ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت : يا رسول الله ، طهرني ، فقال : «ويحك ارجعي ، فاستغفري الله وتوبي إليه» ، فقالت : تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ، إنها حبلى من الزنا! فقال : أنت ؟ قالت : نعم ، قال لها : حتى تضعي ما في بطنك ، قال : فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد وضعت الغامدية ، فقال : «إذن لا نرجمها ، وندع ولدها صغيرا ، ليس له من ترضعه ؟ » فقام رجل من الأنصار فقال : إلي رضاعه يا نبي الله ، قال فرجمها» .

وروى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : قال سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع أهلي رجلا لم أمسه حتى آتي بأربعة شهود ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم» قال : كلا ، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسمعوا إلى ما يقول سيدكم . إنه لغيور وأنا أغير منه . والله أغير مني» .

وروى الشيخان عن سهل بن سعد ، قال جاء عويمر إلى عاصم بن عدي- رضي الله تعالى عنه- فقال : أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد أنزل القرآن فيك وفي صاحبتك ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمى الله في كتابه فلاعنها ، ثم قال : يا رسول الله ، إن حبستها فقد ظلمتها ، فطلقها فكانت سنة لمن بعدهما في المتلاعنين ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج الساقين ، فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة ، فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها . فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر فكان بعد ينسب إلى أمه .

وروى الشيخان عن زيد بن خالد الجهني وأبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس ، فقال : يا رسول الله ، اقض بكتاب الله فقام خصمه فقال : صدق ، اقض له يا رسول الله بكتاب الله ، إن ابني كان عسيفا على هذا ، فزنى بامرأته ، فأخبروني أن على ابني الرجم ، فافتديت بمائة من الغنم ووليدة ، ثم سألت أهل العلم فزعموا أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام . فقال : والذي نفسي بيده ، لأقضين بينكما بكتاب الله [ ص: 303 ]

أما الغنم والوليدة فرد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، وأما أنت يا أنيس ، فاغد على امرأة هذا ، فارجمها فغدا أنيس فرجمها .


وروى أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال جاءت اليهود برجل وامرأة منهما قد زنيا فقال : «ائتوني بأعلم رجلين منكم» فأتوه بابني صوريا ، فنشدهما كيف أمر هذين في التوراة ؟ قالا : نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها ، مثل الميل في المكحلة رجما ، قال : «فما يمنعكما أن ترجموهما ؟ » قالا : ذهب سلطاننا فكرهنا القتل ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها ، مثل الميل في المكحلة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما .

وروى أبو داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا من بكر بن ليث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر بأنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة وكان بكرا ، ثم سأله النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة ، وكان بكرا ، ثم سأله البينة على المرأة ، فقالت : كذب والله يا رسول الله ، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم حد الفرية ثمانين .

وروى الإمام أحمد عن أبي أمية المخزومي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلص فاعترف ، ولم يوجد معه متاع ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخالك سرقت ؟ قال : بلى ، مرتين أو ثلاثا ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقطعوه ، ثم جاءوا به قال فقطعوه ، ثم جاءوا به ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قل : أستغفر الله ، وأتوب إليه قال : أستغفر الله ، وأتوب إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ، تب عليه .

وروى الإمام أحمد والبيهقي عن مسعود بن الأسود- رضي الله تعالى عنه- أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المخزومية التي سرقت قطيفة : يفديها يعني بأربعين أوقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تطهر خير لها ، فأمر بها ، فقطعت يدها ، وهي من بني عبد الأسد .

وروى الإمام أحمد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم تقطع يد السارق ، قال : لا تقطع في ثمرة معلقة ، فإذا ضمه الجرين قطع في ثمن مجن ولا تقطع في حريسة الجبل فإذا ضمها المراح قطعت في ثمن مجن .

وروى أبو داود والنسائي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق ؟ قال : من سرق شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع .

وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن صفوان بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال : بينا أنا راقد إذ جاء سارق ، فأخذ ثوبي فرفعناه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه ، فقلت : يا [ ص: 304 ]

رسول الله ، أفي حميصة ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له أو أبيعها له قال : فهلا كان قبل أن تأتيني به .


وروى أبو داود والنسائي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنه اشتكى رجل حتى أضني فعاد جلدة على عظم ، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها ، فوقع عليها ، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك ، وقال : استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني قد وقعت على جارية دخلت علي ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به ، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ، ما هو إلا جلد على عظم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ ، فيضربوه بها ضربة واحدة .

وروى النسائي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن قوما قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا وانتهكوا ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، إن الذي تقول وتدعونا إليه حسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فأنزل الله عز وجل والذين لا يدعون مع الله إلها [الفرقان : 68] إلى آخر . . إلى فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات [الفرقان : 70] قال يبدل الله شركهم إيمانا ، وزناهم إحصانا ونزلت قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم [الزمر : 53] الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية