سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الثاني والعشرون : في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الصيد والذبائح .

روى الشيخان والنسائي عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إنا قوم نصيد بهذه الكلاب ، فقال : إذا أرسلت كلبك المعلم ، فقتل فكل ، وإذا أكل فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه ، فقلت : أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر ، قال : فلا تأكل ، فإنما سميت على كلبك ، ولم تسم على كلب آخر .

وروى الإمام أحمد والدارقطني عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : أرمي بسهمي فأصيب ، فلا أقدر عليه إلا بعد يوم أو يومين ، فقال : إذا قدرت عليه ، وليس فيه أثر ولا خدش إلا رميتك ، فكل ، وإن وجدت فيه أثر غير رميتك فلا تأكله ، أو قال : لا تطعمه ، فإنك لا تدري أنت فعلته أو غيرك ، وإذا أرسلت كلبك ، فأخذ ، فأدركته فذكه ، وإن وجدته قد أخذ ، ولم يأكل شيئا منه فكله ، وإن وجدته قد قتله ، فأكل منه فلا تأكل منه شيئا أو قال : لا تأكله ، فإنما أمسك على نفسه .

قال عدي : فإني أرسل كلابي ، وأذكر اسم الله ، فتختلط بكلاب غيري ، فيأخذن الصيد فيقتلنه ، قال : لا تأكله ، فإنك لا تدري أكلابك قتلته ، أو كلاب غيرك ؟ .


وروى البخاري عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله تعالى عنه- قال : قلت : يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب ، أفنأكل في آنيتهم ؟ وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم ، وبكلبي المعلم ، فما يصلح لي ؟ قال : أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب ، فإن وجدتم غيرها ، فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها ، وما صدت بقوس [ ص: 307 ] فذكرت اسم الله فكل ، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله ، فكل وما صدت بكلبك غير معلم ، فأدركت ذكاته فكل .

وروى الترمذي والنسائي وأبو داود عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيد فقال : إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله- عز وجل- فإن وجدته قد قتل فكل إلا أن تجده قد وقع في ماء ، ولا تدري الماء قتله أو سهمك .

وروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا ثعلبة الخشيني أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي كلابا مكلبة ، فأفتني في صيدها ، فقال : إن كانت لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكت عليك ، فقال : يا رسول الله ، ذكي وغير ذكي ؟ قال : ذكي وغير ذكي ، قال : وإن أكل منه ؟ قال : وإن أكل منه ، قال : يا رسول الله ، أفتني في قوسي ، قال : كل ما أمسكت عليك قوسك ، قال : ذكي وغير ذكي ؟ قال : ذكي وغير ذكي ، قال : وإن تغيب عني ؟ قال : وإن تغيب عنك ما لم يصل يعني يتغير أو تجد فيه أثر غير سهمك ، قال : يا رسول الله ، أفتنا في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها ، قال : إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء واطحنوا فيها .

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي العشراء عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ، أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة ؟ قال : لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك .

وروى الإمام أحمد والبيهقي وأبو داود عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين يكون في بطن أمه أنلقيه ، أم نأكله ؟ قال : كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه .

وروى الإمام الشافعي عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنهما- قال : قلنا : يا رسول الله ، إنا ملاقو العدو غدا ، وليست معنا مدى أنذكي بالليط فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أنهر الدم وذكر عليه اسم الله تعالى ، فكلوا إلا ما كان من سن أو ظفر ، فإن السن عظم من الإنسان والظفر هذا من مدى الحبش» .

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال : قلت : يا رسول الله ، إن أحدنا أصاب صيدا ، وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقة العصا ؟ فقال : أمرر الدم بما شئت ؟ واذكر اسم الله .

وروي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : إن قوما قالوا : يا رسول الله ، إن قوما يأتون باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليها ، أم لم يذكروا ، أنأكل منها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سموا الله وكلوا» وكانوا حديثي عهد بكفر .

وروى الدارقطني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : سأل رجل [ ص: 308 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم الله على كل مسلم .

وروى أبو داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- قال : جاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله ؟ فأنزل الله : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه [الأنعام : 121] إلى آخر الآية .

وروى الترمذي عن خزيمة بن جزء- رضي الله تعالى عنه- قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال : أويأكل الضبع أحد ؟ وسألته عن أكل الذئب ، فقال : أويأكل الذئب أحد فيه خير .

وروى ابن جرير عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر عن الضب ، فقال : لا أحله ولا أحرمه .

وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي عن أبي واقد أن رجلا قال : يا رسول الله ، إنا بأرض تصيبنا بها مخمصة فماذا يصلح لنا من الميتة ؟ قال : إذا لم تصطبحوا ، أو لم تغتبقوا ولم تحتفوا فشأنكم بها .

وروي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : دخلت أنا ، وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن الضب ، فقال خالد : أحرام الضب يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه .

قال خالد : فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي .


روي أيضا بلفظ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا آمر به ولا أنهي عنه ، أو قال : لا أحله ولا أحرمه .

وروى الترمذي وحسنه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قال : يا رسول الله إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء ، وأخذتني شهوتي ، فحرمت علي اللحم فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا [المائدة : 87 ، 88] .

وروى مسلم عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه ، وبعث بفضلة إلي وإنه بعث إلي يوما بفضلة لم يأكل منها ، لأن فيها ثوما .

فسألته : أحرام هو ؟ قال : «لا ولكني أكرهه من أجل ريحه» .


وروى الإمام أحمد عنه قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها بصل فقال : كلوا وأبى أن يأكل ، وقال : إني لست كمثلكم . [ ص: 309 ]

وروى ابن ماجه عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال : الحلال ما أحل الله تعالى في كتابه ، والحرام ما حرم الله تعالى في كتابه ، وما سكت عنه فهو ما عفا عنه .

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن قبيصة بن هلب عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وسأله رجل فقال : إن من الطعام طعاما أتحرج منه فقال : طعام لا يختلجن في نفسك شيء ضارعت فيه النصرانية .

المضارعة المشابهة والمقاربة ، وذلك أنه سأله على طعام النصارى ، فكأنه أراد أن لا يحركن في نفسك شك ، أن ما شبهت فيه النصارى حرام أو مكروه .

وروى البخاري والترمذي عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا فما ترى فيه ؟ فقال لنا : إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف .

وروى الترمذي عن عوف بن مالك الجشمي- رضي الله تعالى عنه- قال : قلت : يا رسول الله ، أرأيت إن مررت برجل ، فلم يقرني ولم يضفني ، ثم مر بي بعد ذلك أقريه أم أجزيه ؟ قال : بل أقره .

وروى الإمامان مالك وأحمد عن رجل من ضمرة عن أبيه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، قال : لا أحب العقوق ، وكأنه كره الاسم ، وقال : من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه ، فليفعل .

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، فقال : لا يحب الله تعالى العقوق ، كأنه كره الاسم .

وقال : «من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك عن الغلام شاتين مكافأتين ، وعن الجارية شاة» وسئل عن الفرع قال : «والفرع حق وأن تتركوه حتى يكون بكرا شغزبا ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه ، فيلزق لحمه بوبره ، وتكفئ إناءك وتوله ناقتك» .


التالي السابق


الخدمات العلمية