سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثالث عشر في وفائه بالعهد والوعد- صلى الله عليه وسلم-

روى البخاري عن أبي سفيان بن حرب- رضي الله تعالى عنه- أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، الحديث ، وفيه : وسألتك : هل يغدر ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر . وروى ابن أبي خيثمة وأبو داود والخرائطي عن عبد الله بن أبي الحسماء- رضي الله تعالى عنه- قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث ، وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه ، فنسيت ، ثم ذكرت بعد ثلاث ، فجئت فإذا هو في مكانه فقال : يا أخي وفي لفظ : يا فتى ، «لقد شفقت علي أنا ها هنا من منذ ثلاث أنتظرك» .

وروى ابن العربي والحاكم ، وقال على شرطهما وأقره الذهبي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي ، فقال لها : من أنت ؟ فقالت : أنا جثامة المزنية ، قال : «بل أنت حسانة المزنية كيف أنتم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتم بعدنا ؟ » قالت : بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فلما خرجت ، قلت : يا رسول الله ، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال ؟ فقال : «إنها كانت تأتينا زمن خديجة ، وإن حسن العهد من الإيمان» .

وروى الشيخان والترمذي عنها قالت : ما غرت على أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة ، وما رأيتها ولقد هلكت قبل أن يتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين لما كنت أسمعه يذكرها ، وفي لفظ «وما بي أن أكون أدركتها ، وما ذاك إلا لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها» وقد أمره ربه- تبارك وتعالى- أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب وإن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها ، وفي لفظ : «في صدائقها» ، وفي لفظ : «فيتبع بها صدائق خديجة فيهديها لهن» فربما قلت : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول :

إنها كانت وكانت ، وكان لي منها ولد فأغضبته يوما فقلت : «لقد أبلغك الله»
وفي لفظ «لقد أعقبك الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر الأول ، قالت : فتغير وجهه ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي وإذا رأى مخيلة الرعد حين ينظر أرحمة هي أم عذاب ؟ وفي لفظ : «كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أحسن الثناء عليها فقلت : ما تريحني منها ، وقد أبدلك الله خيرا منها ، قال صلى الله عليه وسلم : «ما أبدلني الله خيرا منها آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني منها الله الولد ، إذ لم يكن لي من غيرها» . [ ص: 387 ]

وروى الحاكم وصححه عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى بشيء يقول : «اذهبوا به إلى فلانة ، فإنها كانت صديقة خديجة اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت تحب خديجة» .

«وروى البخاري عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت : استأذنت هالة بنت خويلد» - أخت خديجة- على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف النبي صلى الله عليه وسلم استئذان خديجة ، فارتاع لذلك ، وفي لفظ «فارتاح لذلك» فقال : اللهم ، هالة بنت خويلد

قالت : فغرت فقلت : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر ، قد أبدلك الله خيرا منها .
[ ص: 388 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية