سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ومنها : أنه لم يزل ولا يزال غضا طريا في أسماع السامعين وعلى ألسنة القارئين ، ومنها : جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين لا يجتمعان غالبا في كلام البشر .

ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره ، وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه ، كما قال سبحانه وتعالى إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون [النمل - 76] ، وقال القاضي وغيره من العلماء : [ . . . . ] اختلف الناس في الوجه الذي وقع به إعجاز القرآن على أقوال حاصلها : أنه وقع بعدة وجوه منها : ما يخص حسن تأليفه ، ومنها : التئام كلمه ، وفصاحته ، ووجوه إيجازه ، من قصر وحذف جزء جملة مضاف أو موصوف أو صفة في نحو «واسأل القرية» أي أهلها ، ومنادون أي برجال ، و «يأخذ كل [ ص: 422 ]

سفينة غصبا» أي سفينة صالحة ، وغير ذلك مما استدل عليه من وجوه الإعجاز ، وبلاغته الخارقة لعادة العرب في عجائب تراكيبهم ومنها صورة نظمه العجيب ، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ، ومنهاج نظمها ونثرها ، الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته ، وانتهت إليه فواصل كلماته ، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له ، ومنها : ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات ، وما لم يكن موجودا فوجد كما ورد .

ومنها إنباؤه عن أخبار القرون الماضية والأمم البائدة والشرائع السالفة ما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك ، فيورده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على وجهه ، ويأتي به على نصه ، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب .

ومنها : ما تضمنه عن الإخبار بالضمائر كقوله تعالى إذ همت طائفتان منكم [آل عمران - 122] وقوله : ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول [المجادلة : 8] .

ومنها آي وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها ، فما فعلوا ، ولا قدروا على ذلك كقوله في اليهود : ولن يتمنوه أبدا [البقرة - 95] .

ومنها ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة .

ومنها : الروعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته ، كما وقع لجبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب والطور ، فلما بلغ هذه الآية أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون إلى قوله المصيطرون [الطور - 35- 37] كاد قلبي [ . . . . ] أن يطير ، قال : وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي ، وقد سمع غير واحد آيات منه ، فمات لوقته ، وألف بعضهم كتابا فيمن قتله القرآن .

ومنها : أن قارئه لا يمله ، وسامعه لا يمجه ، بل الإكباب على تلاوته ، يزيده حلاوة ، وترديده يوجب له محبة وغيره من الكلام يعادى إذا أعيد ، ويمل مع الترديد ، ولهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بأنه لا يخلق على كثرة «الترداد» .

ومنها : كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله عز وجل بحفظه ، ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب ، ولا أحاط بعلمها أحد ، في كلمات قليلة ، وأحرف معدودة .

ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة ، وهما كالمتضادين لا يجتمعان في كلام البشر غالبا .

ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره ، وجعل غيره من الكتب قد يحتاج إليه كما قال [ ص: 423 ]

تعالى : إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون [النمل - 76]

التالي السابق


الخدمات العلمية